وسط ضغوط اقتصادية عاشها المواطن المصري خلال السنوات الأخيرة، بدأت مؤشرات جديدة تبعث برسائل تفاؤل حول مستقبل العملة الوطنية.
فبينما كان الدولار يهيمن على المشهد، تتزايد التوقعات بانكسار هذه الهيمنة تدريجياً، ليقترب سعر الصرف من مستويات أقل من 40 جنيهاً.
توقعات كشف عنها خبراء اقتصاديون بارزون، من بينهم فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، والدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، والدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة طنطا. كلهم أجمعوا على أن الطريق قد يكون ممهداً أمام الجنيه المصري ليستعيد جزءاً من بريقه المفقود.
الفقي: الدولار إلى ما دون 40 جنيهاً بفضل مؤشرات اقتصادية إيجابية
يرى الدكتور فخري الفقي أن تراجع الدولار لن يكون وليد الصدفة، بل نتيجة حتمية لتحسن مجموعة من المؤشرات الاقتصادية. فقد توقع أن تشهد مصر ارتفاعاً في صادراتها السلعية إلى نحو 54 مليار دولار بحلول العام المالي 2025–2026، مع قفزة منتظرة في تحويلات المصريين بالخارج لتصل إلى 40 مليار دولار.
وأضاف الفقي أن إيرادات قناة السويس مرشحة للصعود إلى 9 مليارات دولار بحلول منتصف 2026، بينما تصل إيرادات خدمات التعهيد إلى نحو 9.5 مليار دولار. كما أشار إلى أن الدين الخارجي مرشح للتراجع مع تبني الدولة سياسة استبدال الودائع العربية باستثمارات مباشرة، على غرار صفقة "رأس الحكمة"، وهو ما يقلل من الضغوط على الموازنة.
ولم يخفِ الفقي تفاؤله بقدرة الدولة على جمع نحو 4 مليارات دولار عبر برنامج الطروحات العامة قبل المراجعة المقبلة لصندوق النقد الدولي، مؤكداً أن هذه الخطوة تعكس جدية القاهرة في إصلاح ماليتها العامة.
تراجع الدولار.. قوة متزايدة للجنيه
أكد الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل أن الدولار قد يتراجع إلى مستوى 40 جنيهاً خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعد إشارة قوية إلى تحسن أداء الجنيه المصري.
هذا التراجع يعني تقليص الضغوط التضخمية وتعزيز استقرار الأسعار، الأمر الذي ينعكس مباشرة على الأسواق المحلية ويمنح المواطنين متنفساً في قدراتهم الشرائية.
تأثير مباشر على الأسعار والتضخم
انخفاض الدولار أمام الجنيه ليس مجرد رقم في أسواق الصرف، بل يترجم فوراً إلى تراجع أسعار السلع الأساسية والمنتجات المستوردة.
ويشير الشامي إلى أن هذا التراجع يسهم في خفض معدلات التضخم، وهو ما يخلق شعوراً نسبياً بالاستقرار لدى المواطن الذي عانى كثيراً من ارتفاع الأسعار المتسارع في الفترة الماضية.
ثقة متزايدة في الاستثمار الأجنبي
من زاوية أخرى، فإن تحسن وضع العملة المحلية أمام الدولار يبعث برسائل طمأنة قوية للمستثمرين الأجانب.
فاستقرار العملة المحلية يعني بيئة أكثر جذباً للاستثمار، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يمنح الاقتصاد دفعة إضافية نحو النمو.
تقليل فاتورة الاستيراد ودعم ميزان المدفوعات
أشار الشامي أيضاً إلى أن قوة الجنيه ستسهم في تقليل أعباء فاتورة الاستيراد، ما يخفف الضغط على ميزان المدفوعات، ويمنح الاقتصاد المصري فرصة لتحقيق توازن مالي أكبر. ومع تراجع تكلفة الاستيراد، يمكن للحكومة أن تعيد توجيه الموارد لدعم القطاعات الإنتاجية والصناعية.
فرصة لتعزيز الإنتاج المحلي والصادرات
لكن الشامي شدد على أن التراجع المتوقع في قيمة الدولار لن يكتمل أثره الإيجابي إلا إذا استثمرته الحكومة في تعزيز الإنتاج المحلي وتشجيع الصادرات.
فالاستقرار النقدي وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بإجراءات وسياسات اقتصادية تدفع بعجلة التنمية وتحوّل المكاسب النظرية إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية.
دفعة إيجابية للعملة المصرية
توقع الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة طنطا، أن هذا التراجع المحتمل سيشكل دفعة إيجابية للعملة المصرية ويمنح الأسواق قدراً أكبر من الاستقرار.
ما الذي يدفع الدولار نحو الهبوط؟
بحسب مقبل، فإن هناك عدة محركات أساسية قد تدفع سعر الدولار للتراجع، في مقدمتها:
زيادة المعروض من النقد الأجنبي: مع تحسن موارد مصر من السياحة وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، إضافة إلى العوائد المتنامية لقناة السويس، أصبح السوق قادراً على استيعاب احتياجاته من الدولار بشكل أفضل.
الاستثمارات الأجنبية: دخول رؤوس أموال جديدة، سواء استثمارات مباشرة في الصناعة والطاقة أو غير مباشرة عبر البورصة، يوفر دعماً قوياً للجنيه.
القروض والاتفاقيات الدولية: التزامات مصر مع المؤسسات المالية العالمية وصناديق الاستثمار تساهم في ضخ عملة صعبة وزيادة الاحتياطي النقدي.
السياسات النقدية للبنك المركزي: قرارات رفع الفائدة والتحكم في السيولة أسهمت في كبح التضخم ومنحت الجنيه فرصة لاستعادة جزء من قوته.
عوامل مؤثرة لا يمكن تجاهلها
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن حركة سعر الدولار لا ترتبط فقط بالداخل، بل تتأثر أيضاً بمجموعة من العوامل الخارجية والمحلية، أهمها:
العرض والطلب: كلما زاد المعروض من الدولار وتراجع الطلب عليه في السوق الموازية، انخفض سعره.
الاقتصاد العالمي: أداء الدولار في الأسواق الدولية وأسعار الفائدة الأمريكية تنعكس مباشرة على السوق المصري.
الثقة في السوق المحلي: استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية يعد عاملاً حاسماً في جذب المستثمرين والحد من المضاربة على العملة.
هل يصل الدولار فعلاً إلى 40 جنيهاً؟
رغم أن التوقع يبدو جريئاً، إلا أن مقبل يؤكد أن الوصول إلى هذا المستوى ليس مستحيلاً، بل يظل رهناً بتحقق مجموعة من الشروط، أبرزها: استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية.
نجاح الحكومة في تعزيز الصادرات وتقليص الواردات، والسيطرة الكاملة على السوق الموازية التي ترفع الأسعار بشكل مصطنع.
بينما يترقب الشارع المصري كل جديد في أسعار الصرف، تبقى التوقعات بانخفاض الدولار إلى ما دون 40 جنيهاً بارقة أمل حقيقية. فالأمر لا يتعلق بمجرد أرقام على شاشات البنوك، بل بحياة يومية للمواطن، وبقدرة الدولة على توفير بيئة اقتصادية أكثر استقراراً. وإذا ما نجحت الحكومة في استثمار هذه اللحظة عبر سياسات إنتاجية مدروسة، فإن الجنيه المصري قد يستعيد مكانته ويكتب فصلاً جديداً من الصمود أمام العملة الأمريكية.
0 تعليق