تمكنت قوات الأمن خلال الأيام القليلة الماضية، من القبض على عدد من أشهر صانعي محتوى تطبيق «التيك توك»، وتم اتهامهم بشكل رسمي، بنشر محتوى خادش للحياء، وارتكاب عدة جرائم من بينها غسل الملايين من الأموال، وكان أبرز التيك توكر: «سوزي الأردنية، شاكر محظور، مداهم، أم مكة، أم سجدة، محمد عبد العاطي، وعلياء قمرون».
وكشفت التحقيقات أن هؤلاء وغيرهم، أصبحوا في فترة زمنية قصيرة مشاهير من خلال كاميرا التليفون، وحصلوا على أرباح طائلة بلا أي ضوابط، ولعل السؤال الذي يشغل الرأي العام حالياً، هو كيف يمكن وضع ضوابط لمنصة «تيك توك»، للقضاء على تلك الظاهرة، التي تعمل على تدمير النشء والمجتمع؟
فى البداية تقول الدكتورة أمل شمس، أستاذ علم الاجتماع: إن منصة التيك توك، ظهرت منذ فترة قريبة، وفي خلال 4 سنوات فقط، أصبح الناشطون على هذه المنصة شهريًا 800 مليون مستخدم في العالم، وفي العالم العربي الأعداد تتزايد.
مشيرة إلى أن التيك توك، منتشر بشكل أكبر بين الشباب، خاصة المراهقين، وقضيته الكبرى أن المستخدمين الأكثر من هذه الفئة العمرية، التى تتصف بالاندفاع، ومحاولة التجربة والاستكشاف، التي تؤدي إلى كوارث، وذلك في ظل ما يطلق عليه عصر ثقافة الصورة، ويؤدي هذا إلى ميل الكثير من التيك توكر بالتجمل الزائد، والتنازلات في اللبس والمظهر، بهدف الانتشار وكسب المال، ويكون العمل على تلك المنصة، بهدف الانتشار والاتساع، لتحقيق مكاسب وشهرة.
وأوضحت أستاذ علم الاجتماع أن جرائم منصة التيك توك منتشرة عالمياً ومحليا، فقد قام أحد التيك توكر وهو رجل صيني، بانتحال شكل بنت، ووصل متابعيه لملايين بل كان يستدرج المعجبين لبيته وبعد القبض عليه تم ضبط 16 ألف فيديو مسجل لضحاياه، كما كان يجبر رجالا على ممارسة الشذوذ، والكارثة أنه مصاب بمرض الإيدز، وكان ينشر مقاطع الفيديو على الدارك ويب.
وأضافت الدكتورة أمل شمس: أن التيك توك، هو عبارة عن جريمة متعددة الأبعاد، ليس فقط مجرد التأثير على القيم أو نشر ألفاظ خادشه للحياء، أو قضية غسيل أموال، بل هي عبارة عن مجموعة من الجرائم، تزييف هوية، انتحال شخصية غير حقيقية، إيحاءات وممارسات تهدد قيم المجتمع وتخدش الحياء، وتحرض على الدعارة، استغلال، ابتزاز، نقل أمراض، بالإضافة إلى الأمراض النفسية والاجتماعية والقيمية، وتكون الجريمة مركبة، والبيع يكون على الدارك ويب، من خلال ابتزاز الضحايا بأموال أو بتنازلات أو بالمساواة للعمل في نفس الطريق.
وأشارت خبيرة علم الاجتماع إلى أن النشء والشباب، يحتاجون إلى توعية عالية جدًا بهذه بالمخاطر، فالجرائم الأخيرة عالميا ومحليا، بمثابة جرس إنذار، لكي يصبح لدى الأشخاص وعي، لعدم الانسياق ورا، مثل هذه المنصات، وصانعي المحتوى، لأنهم يسعون للتكسب دون النظر لأي شيء حتى قيم المجتمع.
مطالبة بوضع ضوابط، للقضاء على هذه الظاهرة، خاصة أن هناك العديد من الدول منعت استخدام «التيك توك» مثل أمريكا، واعتبرته آلية من آليات الإفساد والتجسس على الدولة.
مشيرة إلى ضرورة محاربة ناشري الفساد أو الذين ينتهكون القيم أو دعاة خدش الحياء أو الدعارة، ويجب الملاحقة القضائية لهم من وزارة الداخلية بالتجريم، وتغليظ العقوبات وتحديث القوانين بما يتناسب مع المستجدات، لسد الثغرات، التي يستطيعون الخروج منها بكفالة.. ووجود ضبطية قضائية لهؤلاء الأشخاص، لأنهم عبارة عن سرطان في المجتمع ينتشر بسرعة غريبة، بل يعتبرهم البعض من ضعاف النفوس قدوة.
من جانبه، كشف الدكتور سيد خضر، خبير الاقتصاد، كيفية استخدام التيك توكر في غسيل الأموال قائلاً: يتم نشر أشياء منافية للآداب على هذه المنصة، لكسب قاعدة جماهيرية، واستغلالها كواجهة للأعمال غير المشروعة من خلال أنشطة تجارية أو العملات الرقمية، وهذه الحسابات تستخدم في الهدايا الرقمية وغيرها، ويتم استهداف الأشخاص ذوي الفئة الثقافية المنخفضة وتحت مستوى خط الفقر، في تلك العمليات المشبوهة.
موضحًا أن غسيل الأموال عبر تطبيق التيك توك أثر على الاقتصاد القومي، لأنها ضمن فئة الاقتصاد غير الرسمي، لذلك يجب وجود رقابة على المنصات، وتعاون دولي لتبادل المعلومات، لأن المعلومات الرقمية خطيرة، وتؤثر على الاقتصاد القومي، ويجب أن يوجد تشريع جديد لقضايا غسيل الأموال على المنصات والعملات المشفرة.
وأشار دكتور سيد إلى أن هؤلاء التيك توكرز، عبارة عن أداة لتنفيذ الأعمال المشبوهة، والتطبيق لا يعطي مكاسب لصانعي المحتوى بل هو عبارة عن أداة خفية للأنشطة غير المشروعة والأعمال المنافية للآداب والإرهاب وغيرها، واستخدام شهرة هؤلاء الأشخاص لجذب المواطنين لهذه الأعمال.
وكشف محمود الروبي، الخبير في القضايا الإلكترونية «الجنايات الاقتصادية»، أن غسيل الأموال عبر التيك توك، هو عملية تحويل أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة مثل: تجارة المخدرات، تجارة الأعضاء، الآثار، المراهنات الإلكترونية، الاحتيال، إلى أموال تبدو قانونية.
في حالة بعض التيك توكرز الطريقة تكون كالآتي:
طرف خارجي (جهة أو شخص) يملك أموالا غير مشروعة يحتاج يدخلها في النظام المصرفي دون أن يلفت الانتباه.
يدفع للتيك توكر مبالغ كبيرة على هيئة هدايا افتراضية داخل البث المباشر (مثل الورود، القلوب، الأسد أو الرموز اللي يشتريها المستخدم بالنقود).
التيك توكر يقوم بتحويل الهدايا إلى أموال حقيقية من خلال منصة تيك توك، ويستلمها في حسابه البنكي بشكل يبدو مشروع ظاهرياً.
بعد استلام الأموال تعود معظمها للطرف الذي دفعها في البداية ويحتفظ بنسبة عمولة متفق عليها لنفسه وبعض الأطراف تنشئ شركات مخصوصة يحول عليها العائد بدلاً من تحويلها على التيك توكرز ويقبضون مرتبا شهريا أو عمولة.
ويقول الروبي: إن غسيل الأموال، جريمة منصوص عليها في قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته، والعقوبة السجن المشدد لمدة قد تصل لـ 7 سنوات وغرامات تصل لضعف قيمة الأموال محل الجريمة بالإضافة لمصادرة الأموال المضبوطة، ولو ارتبطت الجريمة بجرائم أخرى مثل النصب أو الاتجار غير المشروع العقوبات يتم تشديدها.
مضيفا: إن المحتوى الذي يتضمن دعارة إلكترونية أو خدش الحياء أو التحريض عليه عبر الإنترنت يقع تحت طائلة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، بالإضافة إلى مواد من قانون العقوبات.. فالمادة 178 تعاقب بالحبس مدة تصل إلى سنتين وبغرامة قد تصل إلى 10 آلاف جنيه لكل من نشر أو صنع أو أعلن عن مواد منافية للآداب العامة أو مخلة بالحياء.. والمواد 269 مكرر و278 تعاقب على الأفعال المعلنة الماسة بالحياء العام أو التحريض على الفسق والفجور، بعقوبات تصل للحبس والغرامة.
مشيرًا إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (175/2018): المادة 25: تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة من 50 ألفا إلى 100 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية أو نشر ما ينتهك حرمة الحياة الخاصة عبر الإنترنت.. والمادة 27: تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف جنيه لكل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا بغرض ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقبا عليها قانونًا.
وهذه المواد مجتمعة تمنح السلطات صلاحية ملاحقة الـ«تيك توكرز» أو أي صانع محتوى يستخدم الإنترنت للترويج لمواد خادشة للحياء أو دعارة إلكترونية سواء كان بهدف الربح أو الترفيه أو التحريض مع إمكانية الجمع بين العقوبات في حالة تعدد الجرائم او تشديدها حسب الأحوال.
موضحًا أن التحريات الأمنية لديها قدرة على رصد حركة الأموال غير المبررة على الحسابات البنكية أو الإلكترونية للتيك توكر، ومتابعة سلوك الحسابات على تيك توك فلدى أجهزة الأمن حسابات على التيك توك لمتابعة هذا الأمر، بخلاف التنسيق بين الأجهزة الأمنية والبنوك وشركات الدفع الإلكتروني لكشف الأنشطة المالية المشبوهة.
في سياق متصل، قال دكتور علي المعيطي، من علماء الأزهر الشريف: إننا نرى خلال هذه الفترة محتويات على منصة التيك توك أو غيرها، تخالف الشرع والأعراف والفطرة السليمة، والعادات والتقاليد المصرية، وبعضها ينشر مشاهد إباحية وألفاظا خادشة للحياء، وكلها أمور محرمة، وتحرض على الفسق، وهؤلاء الذين يرغبون في أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
واضاف الداعية الإسلامي: يجب أن يكون المحتوى المنشور هادفا، تعليميا او توعويا، ويتماشى مع العادات والقيم المجتمعية، ولا يؤثر بشكل سلبي على الأخلاق.
كان الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الافتاء في تصريحات تلفزيونية قال: إن المال الذي يتم تحصيله من خلال فتح «لايفات» عبر تيك توك، وغيره من منصات، دون تقديم محتوى هادف أو مفيد هو مال حرام.
وتابع أمين الفتوى متعجبًا بشأن من يخرجون في بث مباشر عبر التيك توك: «الأعمار بتضيع»، والمنازل لها حرمة، والإنسان له حرمة، والمرأة لها حرمة.
وأضاف أنه لا داعي طالما لا يتم تقديم حديث أو قرآن أو شيء هادف، مشيرًا إلى من يتناولون الطعام أمام الكاميرا بصحبة أسرهم «محدش بيشوف حرمة البيوت».
0 تعليق