«الترامبية السياسية» ميزان العالم المستقر..! - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
كان المشهد في البيت الأبيض لافتاً للنظر؛ قادة أوروبيون يمثلون «القارة العجوز» يجلسون حول الطاولة، فيما الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يطل عليهم من خلف مكتبه، وفي ذهنه رسالة واضحة: أوروبا التي اعتادت طويلاً على المظلة الأمريكية يجب أن تتحمّل تكلفة أمنها. هذه اللحظة الرمزية تختصر معادلة عالمية يتصدّرها ترمب بخطابه المباشر ورؤيته المختلفة عن أسلافه.

لقد كان ضعف بعض الإدارات الأمريكية السابقة سبباً مباشراً في اندلاع أزمات دولية وسقوط أنظمة، كما يرى محللون أن الأزمة الأوكرانية لم تكن لتندلع لو كان ترمب في السلطة. فإدارة بايدن، مدعومة من العواصم الأوروبية، اختارت تمويل حرب تستنزف أوكرانيا أكثر مما تدعمها. في المقابل، تبدو روسيا قادرة على الصمود لسنوات، إذ لم يتأثر اقتصادها على نحو بالغ، فيما يواصل قطاع السياحة فيها النمو، بينما تنزف كييف بشرياً واقتصادياً كل يوم.

كان من المفترض أن يقود الموقف الأمريكي إلى حلول سياسية أكثر صرامة تأخذ في الاعتبار مصالح روسيا، القوة العظمى التي تشعر بالحصار نتيجة سياسات التوسع الأوروبي شرقاً، خصوصاً مع تمدد حلف الناتو. وهنا يظهر الفارق في النهج: فترمب، خلال عام واحد فقط من رئاسته، تمكّن من تجنيب العالم صدامات خطيرة، سواء بين الهند وباكستان، أو في بعض مناطق أفريقيا حيث ضغطت إدارته لمنع تفاقم نزاعات في جنوب السودان والقرن الأفريقي. واليوم يطرح نفسه بديلاً قادراً على إدارة الأزمة الأوكرانية بعقلانية تحفظ التوازن الدولي.

الدور السعودي أيضاً برز في هذا السياق، إذ لعب الأمير محمد بن سلمان دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين بوتين وترمب، ثم في وساطة مؤثرة بين موسكو وكييف. لم يكن ذلك ممكناً لولا الثقل السياسي للمملكة ومصداقيتها المتنامية في الساحة الدولية، حيث باتت الرياض جسراً بين القوى الكبرى، وفاعلاً رئيسياً في تخفيف التوترات. والدور الذي صاغه رجل المنطقة القوي الأمير محمد بن سلمان يزداد أهمية كل يوم نتيجة الرؤية العقلانية والاستيعاب لضرورات الاستقرار العالمي وأدواته.

إن المهمة الأبرز أمام ترمب حالياً هي كبح جماح الدعم الأوروبي غير المشروط لأوكرانيا؛ لأن هذا الدعم يزيد من تعقيد الأزمة ويصطدم بروح الاتفاقيات التي تحد من توسع الناتو. المستقبل القريب مرشح لأن يشهد صيغة جديدة: أوكرانيا خارج الحلف، مقابل ضمانات أمنية لروسيا تطمئنها وتعيد التوازن.

بهذا المعنى، تظل أمريكا ميزان الاستقرار في العالم، لكنها ميزان يتوقف على قوة قيادتها وجرأة ساستها. وترمب، برؤيته الصريحة وأسلوبه المختلف، يعيد طرح السؤال الكبير: هل تعود واشنطن لتقود العالم من موقع القوة، لا من موقع التردد؟

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق