"فتيات التلال".. مجموعة إسرائيلية نسائية تروج للاستيطان "الناعم" في الضفة الغربية - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دينا أحمد + مؤمن مقداد

على تلال الضفة الغربية، لا تتوقف حكايات الاستيطان عن إعادة إنتاج نفسها بأشكال متجددة، فبعد أن مزّقت الجرافات وجه الأرض، وأحاطت البؤر المسلحة القرى الفلسطينية بسياج من الخوف والتهجير، برزت في السنوات الأخيرة موجة أخرى من الاستيطان أكثر هدوءا في ظاهرها، لكنها لا تقل خطورة في جوهرها.

فبعد بروز مجموعة "فتية التلال" عام 1998، التي أسسها مستوطنون متطرفون بتشجيع مباشر من وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون -حين دعاهم إلى اعتلاء قمم الجبال وفرض السيطرة بالقوة- ظهرت نسخة جديدة بوجه أنثوي تحت اسم "فتيات التلال".

هذه المجموعات تقدم الاستيطان بوجه مغاير: لا أسلحة بارزة ولا دوريات عسكرية، بل فتيات يتركن التعليم والحياة المدنية ليعشن في خيام ومساكن بدائية، يروجن لهذا النمط المصطنع باعتباره تضحية من أجل "الأرض الموعودة". لكن خلف هذا المظهر "الناعم"، يتواصل سلب الأرض من الفلسطينيين في فصل جديد من فصول الاحتلال القسري.

في هذا التقرير، يتتبع فريق "الجزيرة تحقق" الواقع الحقيقي وراء حملة "فتيات التلال"، محاولا الإجابة عن أسئلة محورية: ما أهداف هذه المجموعة؟ كيف تستخدم أدوات الترويج الرقمي لتسويق مشروعها الاستيطاني؟ ما طبيعة الدعم الذي تحظى به من الحكومة والشرطة الإسرائيلية؟ وكيف تواصل التوسع في الضفة رغم الإدانات الدولية؟

حلم "إسرائيل الكبرى"

لم يعد الاستيطان مقتصرا على الذكور وحدهم، كما صعد "فتية التلال" في أواخر التسعينيات بدعم رسمي لتثبيت البؤر على المرتفعات، جاءت "فتيات التلال" لتقدم الاستيطان كخيار "ناعم"، لكنه يستهدف الهدف ذاته وهو الوصول إلى ما يسمونه "إسرائيل الكاملة"، التي لا تقف جغرافيتها -وفق عقيدتهم- عند حدود فلسطين، بل تمتد إلى مصر والأردن ولبنان وسوريا.

خيام على رؤوس الجبال، مساكن مؤقتة، حياة قاسية تعتمد على الرعي والتنقل، عزلة عن المجتمع وقطيعة مع مظاهر التمدن.. هذه هي البيئة التي يقدّمها المستوطنون من الذكور والإناث معا كقالب "تضحية"، بينما في حقيقتها وسيلة لترسيخ السيطرة على أراض فلسطينية خاصة، وتحويلها إلى بؤر استيطانية جديدة.

إعلان

ومن أبرز النماذج التي تكشف دور "فتيات التلال" في توسيع الاستيطان، بؤرتا "ماعوز إستير" و"أور أهوفيا" قرب رام الله، حيث اختارت مجموعات من الفتيات الانسحاب من التعليم والحياة المدنية، والتفرغ كليا لمشروع الاستيطان، بهدف فرض السيطرة الكاملة على الأرض، وتحويل نقاط رعوية بدائية إلى مستوطنات إسرائيلية متكاملة، بغض النظر عن قانونيتها أو عدمها.

تلة الفتيات

قبل نحو 17 عاما، أُقيمت بؤرة "ماعوز إستير" شمال شرق رام الله كنقطة استيطانية شبابية صغيرة، لكن هذه البؤرة سرعان ما تحولت مع مرور السنوات إلى ما يشبه مستوطنة متكاملة، تسكنها اليوم 17 عائلة ويعيش فيها أكثر من 50 طفلا، حتى باتت تُعرف باسم "تلة الفتيات".

وفي أواخر مايو/أيار الماضي، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن البؤرة شهدت توسعا غير مسبوق خلال أسابيع قليلة، لتصبح مساحتها ضعف مساحة مستوطنة "كوخاف هشاحر" المجاورة، التي تبلغ نحو 950 دونمًا.

ويأتي هذا التوسع بعد 6 سنوات فقط على عودة مجموعات من المستوطنات الإسرائيليات لإحياء تلك البؤرة.

 

ومع وجود منازل جديدة قيد البناء، يجري التحضير لاستقبال مزيد من السكان، حيث يعمل معظمهم في مجالات التعليم والزراعة، كما أنشأت الفتيات فرعا محليا للأطفال، فيما يظهر أن المستوطنين هناك يسعون إلى تحويل البؤرة إلى تجمع استيطاني كبير يستوعب آلاف العائلات في المستقبل.

 

ولم يقتصر الأمر على البناء فقط، بل حمل أيضا بعدا رمزيا ودينيا، إذ شهدت البؤرة مطلع العام الجاري مراسم إدخال سفر توراة وتدشين كنيس باسم "شيرات يونداف"، تخليدا للمستوطن يونداف هيرشفيلد الذي قُتل في عملية استهدفت مدرسة "مركاز هراف" في القدس "حسبما نشرت منصات إسرائيلية".

 

من داخل بؤرة ماعوز إستير، تعكس كلمات المستوطِنة أورا عوديا عقلية "فتيات التلال" وتصورهن لمشروع الاستيطان، فهي واحدة من مجموعة فتيات تتراوح أعمارهن بين 13 و18 عاما، تركن منازلهن والمدارس الدينية لينتقلن إلى بيت جماعي على التلة.

إعلان

وقالت أورا لهيئة البث الإسرائيلية "تركت المدرسة الدينية للبنات كي أذهب إلى التلة. الآن أنا جندية، وأين يحتاجونني؟ في التلة؟ تمام، إذن أترك وأذهب إلى التلة".

لكن خطابها امتد إلى رسم خريطة جغرافية أوسع لما تصفه بـ"أرض إسرائيل الكاملة": "الأرض تمر من هنا، هنا يوجد الأردن، سيناء، لبنان، سوريا، العراق، شبه الجزيرة العربية.. في الواقع كل هذه المنطقة، وأنا مدركة أنه من الناحية المبدئية قد يحدث هنا هجوم، لكننا هنا في حرب على الأرض، وفي الحرب كما في الحرب يمكن أن يكون هناك ضحايا".

وختمت حديثها قائلة: "القانون حاليا لا يسمح بالبناء في كل أرض إسرائيل. من الواضح أن هذه قوانين بلا منطق، أرض إسرائيل تعود لشعب إسرائيل، ويجب أن نستقر في كل مكان فيها".

هذه الشهادة تكشف كيف يتحول الاستيطان في "ماعوز إستير" من ممارسة ميدانية إلى عقيدة أيديولوجية متكاملة، ترى أن الضفة ليست سوى جزء صغير من مشروع أوسع يسعى لابتلاع المنطقة بأكملها.

 

أما شالفيت غولدشتاين، وهي واحدة من بين مستوطنات ماعوز إستير -اللاتي يصفن أنفسهن بأنهن امتداد معاصر للصهاينة الأوائل- فقالت: لسنا هنا لتشجيع النشاط النسائي، ولكن إذا كانت النساء يعتقدن أن لا دور لهن في بناء الأرض، فقد أخطأن خطأ فادحا".

فيما صرح أحد سكان البؤرة: "الدونمات ليست مجرد أرض، بل خطوة صهيونية حلم بها آباؤنا آلاف السنين في المنفى".

أور أهوفيا

وبعد أن عملن على تحويل بؤرة ماعوز إستير من نقطة رعوية صغيرة إلى مستوطنة قائمة، خطت "فتيات التلال" خطوة أخرى عام 2023، حيث أسسن بؤرة استيطانية جديدة حملت اسم "أور أهوفيا"، أقيمت على تلال قريبة من مستوطنة عوفرا غير القانونية شمال شرق رام الله.

 

من التلة للمنصات

في المقابل، رصد فريق "الجزيرة تحقق" نشاطا رقميا للمستوطنات الإسرائيليات عبر حسابات بأسماء البؤر الاستيطانية عبر منصات التواصل الاجتماعي، من أجل استقطاب المزيد من الفتيات والعائلات للسكن في البؤر وتوسيعها، حتى تحقيق حلم "أرض إسرائيل الكاملة".

 

ونشر حساب "أور أهوفيا" على فيسبوك وتويتر مقطع فيديو يشمل ما أنجزته فتيات التلال من أعمال في البؤرة وتوسيعها، وكتب في توصيف المشهد: "مر عامٌ منذ أن تسلقنا الجبل قرب عوفرا واخترنا إقامة جفعات أور أهوفيا هناك، يسعدنا أن نشارككم ما نجحنا في الترويج له هذا العام، شكرا لكلِ من تبرع وساهم في بناء الوطن".

إعلان

كما نشر صورة عائلات تسكن بؤرة أور أهوفيا وكتبت عليها: "نصنع النصر"، وتابع تشجيعا للاستيطان: "بعد 5 سنوات تستطيعون أنتم أيضا أن تقولوا إنكم أسستم مستوطنة. أجمل منظر في العالم ينتظركم – تعالوا واسكنوا معنا في "جفعات أور أهوفيا".

 

وظهرت فتيات التلال في فيديو على "إنستغرام" تحدثن فيه عن إصرارهن للبقاء في البؤر وتوسيعها، بالقول "من الضروري أن نرسخ وجودنا في الأرض، يجب أن نأتي ونقيم بؤرا جديدة، ونأخذ دورنا في هذه المسيرة العظيمة للاستيطان في كل أنحاء أرض إسرائيل".

 

 

وفي محاولة لتحسين صورة الاستيطان، نشرت "فتيات التلال" فيديو ساخرا بعنوان: "تعالوا نكسر لكم كل الصور النمطية عن فتيات التلال"، حيث ادّعت المستوطنات أنهن لا يقتلن العرب ولا يضربن أصحاب الأرض، بل يطبخن ويمسحن الأرض وينشرن الغسيل كأي نساء في أي بقعة من الأرض، في محاولة لإضفاء الشرعية على مشاريع الاستيطان التي يقمن بها.

@naomicnu

נערות הגבעות – לא מה שחשבתם: בואו ננפץ לכם את כל הסטיגמות ב-30 שניות. לא זריקות אבנים ולא נעליים???? אם יש לכם שאלות על החיים המעניינים שלנו – מוזמנים לשאול כאן???? #נוער_הגבעות #יהודהושומרון #מתנחלים

♬ צליל מקורי – נעמי רחליס

 

 

بهذا الخطاب، تحاول الفتيات تصوير الاستيطان كمشروع عائلي وبيئة اجتماعية قابلة للنمو، بعيدا عن صور العنف والهدم والتهجير التي ارتبطت تاريخيا بالمستوطنين. لكنه في جوهره يظل أداة لشرعنة الاحتلال وتوسيع المستوطنات على حساب الفلسطينيين.

نتنياهو وتكريس الاستيطان

وفي 17 أغسطس/آب الجاري، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستوطنة "عوفرا" شمال شرق رام الله، المجاورة لبؤرة "أور أهوفيا"، للاحتفال بمرور 50 عاما على إقامتها، وقال: "مؤثر جدا أن أكون هنا، جئت قبل 25 عاما في احتفالات اليوبيل الفضي لأغرس جذورا في مكان لنا فيه جذور منذ آلاف السنين".

وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية ما وصفته بـ"الاقتحام الاستعماري الاستفزازي" للمستوطنة، وكذلك التصريحات التي أدلى بها نتنياهو بشأن التمسك بالأرض وتفاخره بدوره في رفض الدولة الفلسطينية، معتبرة أنها تمعن في تكريس الاحتلال الاستيطاني الإحلالي والعنصري كحلقة في جرائم الإبادة والتهجير والضم.

وفي أحدث تعقيب أممي على توسيع المستوطنات، أصدر المتحدث باسم الأمم المتحدة بيانا في 14 أغسطس/آب الجاري على خلفية مخطط (E1) الاستيطاني، وخطط التوسيع الإسرائيلية، قال فيه: "موقفنا واضح، المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية -والنظام المرتبط بها- أقيمت في انتهاك للقانون الدولي".

 

قوانين تشرعن الاستيطان

لم تكتف حكومة الاحتلال بالدعم العسكري والمالي للبؤر الاستيطانية، بل سعت أيضا إلى توفير غطاء قانوني لها عبر الكنيست، فقد تقدم نواب إسرائيليون خلال الأعوام الأخيرة بعدة مشاريع قوانين تهدف إلى إضفاء الشرعية على البؤر العشوائية وتحويلها إلى مستوطنات معترف بها رسميا، في تحد مباشر للقانون الدولي الذي يحظر إقامة أي مستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

 

وفي مطلع العام الجاري، أقرت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع قانون تقدم به لوبي "أرض إسرائيل"، ويهدف إلى إلغاء ما يسمى "التمييز" والسماح لليهود بشراء الأراضي في الضفة الغربية بحرية تامة.
ينص المشروع على أن عمليات الشراء ستظل محمية حتى في حال أي اتفاقيات سياسية مستقبلية، بحيث لا يمكن نزع الأراضي من المشترين اليهود، مما يعني عمليًا ترسيخ الاستيطان كأمر واقع لا رجعة فيه.

إعلان

ويقف خلف المشروع عدد من أبرز رموز اليمين الإسرائيلي، بينهم: ليمور سون هار ميلخ، ويولي إدلشتاين، وسمحا روتمان، وموشيه سلومون، الذين يرون في القانون خطوة "طبيعية" لاستعادة ما يعتبرونه "أرض الأجداد".

 

مسرحية التفكيك

رغم أن الشرطة الإسرائيلية تحاول الظهور أمام العالم وكأنها تفرض القانون عبر تفكيك بعض البؤر الاستيطانية، فإن هذه العمليات غالبا ما وصفت بأنها مجرد "مسرحية متفق عليها". فحكومة الاحتلال من جهة تدعم إنشاء البؤر وتمول بنيتها التحتية، ومن جهة أخرى تبث لقطات هدمها أمام الكاميرات في مشهد يوحي بالالتزام بالقانون.

 

بؤرتا ماعوز إستير وأور أهوفيا تمثلان أوضح الأمثلة على هذه المفارقة، فقد تعرضت منشآتهما للهدم عشرات المرات، بدعوى أنها مقامة على أراض زراعية خاصة تعود للقرى الفلسطينية القريبة، لكن ما إن تغادر قوات الشرطة الموقع حتى تسارع "فتيات التلال" إلى إعادة البناء من جديد، في دورة متكررة تكشف عن تواطؤ منظم أكثر من كونه إنفاذا للقانون.

هذا التناقض عبّر عنه صراحة أبراهام ساندك، والد المستوطن أهوفيا الذي تحمل إحدى البؤر اسمه، إذ قال: "قبل نحو شهر أقامت الفتيات من ماعوز إستير التلة القريبة من مستوطنة عوفرا. في الأسبوع الماضي وصلت قوات الهدم ودمرت البيت، لكن الفتيات أعَدْن بناءه من جديد، وهن الآن بحاجة إلى دعم شعبي لمواصلة البناء والتطوير".

رد حقوقي

وفي تعقيب على محاولات الشرطة الإسرائيلية تفكيك البؤر الاستيطانية، تواصل "الجزيرة تحقق" مع مدير البحث الميداني في منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية، كريم جبران، الذي وصف ما يحدث بأنه "لعبة لمحاولة ذر الرماد في العيون".

وقال جبران للجزيرة: "معظم البؤر الرعوية والاستيطانية التي تقام مدعومة من قبل الدولة والجيش"، مضيفا: "حتى الإدارة المدنية تقدم لها الخدمات، وجميع البؤر تزود بالماء والكهرباء وشبكة طرق خاصة بها، إضافة لتأمين الحماية اللازمة لها".

وحول ما تقوم به الشرطة الإسرائيلية في هذا الشأن، رد جبران قائلا:"عمليات الهدم لا بد منها، لأن هناك مئات البؤر التي تزداد بشكل يومي، ولا يمكن السكوت عنها لأنها معظمها في أراض فلسطينية خاصة".

واختتم: "الشرطة تعمل كمحاولة ذر الرماد في العيون بتفكيك بؤرة هنا أو هناك، ولكن في نفس اليوم يتم العودة لهذه البؤر وإقامتها من جديد، فكل ما يحدث مجرد لعبة"، وفق تعبيره.

وبما سردناه سابقا فإن "فتيات التلال" لم يعدن مجرد مجموعة هامشية، بل تحولن إلى ذراع متكاملة للاحتلال، يجمعن بين البساطة المصطنعة في الميدان، والدعاية الناعمة عبر المنصات الرقمية، والدعم الأمني والتشريعي من الدولة.

في ظاهر الأمر، صورة لفتيات يعشن حياة "بدائية" فوق التلال، وفي جوهرها مشروع ممنهج يبتلع الأرض ويعيد رسم الجغرافيا على مقاس "إسرائيل الكبرى"، وترسيخ واقع جديد بـ"استيطان ناعم".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق