السعودية أمام خيارين: إمّا أن تكون.. وإمّا أن تكون - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في مفترق التاريخ، تقف الأمم العظيمة أمام مفاصل وجودية لا تملك فيها رفاهية التردد، ولا تعددية الاختيارات. هناك لحظات لا يكون فيها المجال لـ«أو»، بل لـ«الآن».

لحظة كهذه تعيشها المملكة العربية السعودية اليوم، لحظة لم يعد فيها خيار «ألّا تكون» مطروحاً، لأن الإيمان بالذات بلغ نقطة اللاعودة، ولأن الرهان على المستقبل بات لا يقبل سوى وجهة واحدة: أن تكون.

فالعنوان الصادم في ظاهره ــ «إمّا أن تكون، وإمّا أن تكون» ــ ليس عبثاً لغوياً، بل هو اختزال فلسفي لأشد حالات العزم صفاء.

المملكة اليوم لا تقف بين أن تنهض أو تتقاعس، أن تتقدم أو تتراجع، أن تبني أو تهدم.. لأن الخيار لم يعد ثنائياً بل أصبح واحداً لا ثاني له: أن تكون، لأن البديل ببساطة غير موجود.

لقد اختارت السعودية منذ انطلاقة «رؤية 2030»، أن تحسم ترددات الماضي، وأن تخلع عباءة الانتظار. اختارت أن تُعيد تعريف نفسها لا بوصفها حارسة لإرثٍ مقدّس فحسب، بل بوصفها صانعة لحضارة آتية، ترسم في الحاضر ملامح المستقبل وكأنها تقول للعالم: نحن لا نُقلِّد أحداً، بل نُقلِّبُ الممكن حتى نصهره في نموذج سعودي خالص.

هذا الخيار الواحد الذي تسير فيه السعودية، هو تحدٍّ مدهش في زمن يعجّ بالتنازلات، لأنه خيار يرتكز على مفاهيم غير قابلة للنكوص: الإرادة، والإيمان، والابتكار.

إرادةٌ تُشيِّد مدينةً كـ«نيوم» في رمالٍ كانت تُوصَف بالفراغ، وإيمانٌ يُطلقُ قمراً صناعياً من صحراءٍ كانت تُوصَفُ بالسكون، وابتكارٌ يُحوِّلُ النفط من مصدر دخل إلى نقطة انطلاق لعصر الكعكة الصفراء.

أن «تكون» في المفهوم السعودي الجديد، يعني أن تكسر التوقّعات لا أن تسايرها، أن تُدهش لا أن تَتْبَع، أن تقود لا أن تُقاد. وهو ما يتجلى اليوم في كل قطاع من قطاعات المملكة، من الثقافة إلى التقنية، من الرياضة إلى الطاقة المتجددة، من الدبلوماسية المرنة إلى الاقتصاد التنوعي.

لا شيء يُدار اليوم بالعفوية أو المجاملة، بل بمنهجية تراهن على أن العالم لا ينتظر من لا يَسبِق.

أخبار ذات صلة

 

نظرة واحدة إلى ما يحدث في الداخل كفيلة بأن تُدرك حجم هذا الخيار المُلزم، وكيف تتحول عاصمة مثل الرياض إلى مركز عالمي للمؤتمرات والفعاليات العالمية؟ كيف تُدار التحولات الاجتماعية بسلاسة دون صدام مع الجذور؟ كيف تُستثمر العقول السعودية ــ رجالاً ونساءً ــ لا بوصفهم تابعين لفرص، بل صانعين لها؟

إنّ مَنْ يظن أن هذا الخيار الواحد هو نزهة لم يقرأ جيداً في قاموس التحول، فأن «تكون» يعني أن تُغلق أبواب التبرير، وتفتح نوافذ المساءلة. أن تُصارع ركام البيروقراطيات القديمة، وتغرس في مكانها مؤسسات ذكية، أن تُواجه العالم بأكمله وأنت تقول: لدينا سرديتنا، ونسختنا الخاصة من النهضة.

السعودية لا تعيش اليوم مرحلة نمو فقط، بل تعيش مرحلة تَخَلُّقٍ جديد، وكأنها تُعاد صياغتها بهيئة تُشبه أحلامها لا مخاوفها.

وحين تختار دولة أن تتماهى مع أفقها لا مع تاريخها فقط، فإنها بذلك تُجبر الزمن على أن يعيد النظر في تصوراته عنها.

«إمّا أن تكون.. وإمّا أن تكون»، هذه الجملة ليست تكراراً بقدر ما هي تأكيد مزدوج لليقين، يقين وطني يرى في كل أزمة فرصة، وفي كل معركة مع الذات فرصة للانتصار على المألوف. فالسعودية لا تبحث عن مكان تحت الشمس، بل تصنع شمسها الخاصة.

لقد أصبح واضحاً أن المملكة لم تعد تسعى إلى أن تُقارن بدول أخرى، بل أن تكون مرجعاً بحدّ ذاتها، لا تريد أن «تلحق» بأحد، بل أن «تُلحِق» العالم برؤيتها، إنها لا تستورد الحداثة، بل تُصدِّر نموذجها الفريد في كيف تكون الدولة قوية ومرنة، متجذرة وعصرية، محافظة ومجددة في آن واحد.

فحين تُجبرك المرحلة على اختيار واحد، فإن هذا لا يعني ضيقاً في الأفق، بل عمقاً في الإيمان، لأن الشكوك تسكن الخيارات المتعددة، أما اليقين فيسكن الإجماع على طريق واحد، خيار أن «تكون» هو ما يجعل السعودية تمضي دون التفات، تصعد دون مقايضة، وتعلو دون أن تتنازل عن جوهرها.

نحن نشهد لحظة استثنائية في التاريخ السعودي، لحظة تحوّل الإرادة السياسية إلى فعل حضاري، وتحوّل الحلم الوطني إلى مشروع تنموي شامل، لحظة يُعاد فيها تعريف مفاهيم القوة، والقيادة، والتأثير، لحظة لا نملك إلا أن نردد معها بإيمان صلب: نعم، السعودية أمام خيارٍ واحد: إمّا أن تكون.. وإمّا أن تكون. ولا شيء بعد ذلك، سوى المجد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق