من القاهرة إلى شنغهاي.. الدكتور محمود السعيد يفتح قلبه لـ”الفجر” حول رحلة الجامعة نحو العالمية - هرم مصر

الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل سباق عالمي محموم على ميدان العلم والمعرفة، تبرز الجامعات الكبرى كقاطرة أساسية للتنمية، وكسلاح استراتيجي تمتلكه الدول في معركتها نحو الريادة والمكانة الدولية.

 وفي قلب هذا السباق، استطاعت جامعة القاهرة أن تحجز لنفسها موقعًا متقدمًا ضمن مصاف النخبة العالمية، محافظة على حضورها الدائم في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم بتصنيف شنغهاي لعام 2025، وهو التصنيف الأكاديمي الأعرق والأكثر صرامة على مستوى العالم.

هذا الإنجاز لم يكن وليد صدفة أو ثمرة جهد لحظي، بل جاء نتيجة تخطيط استراتيجي ورؤية علمية متكاملة، تعكس حجم التطوير الذي تشهده الجامعة في مجالات البحث العلمي والدراسات العليا، وتؤكد قدرتها على المنافسة الإقليمية والدولية.

 فجامعة القاهرة، التي تأسست منذ أكثر من قرن كأول جامعة مصرية حديثة، لم تتوقف يومًا عن التطوير، بل ظلت في حالة دائمة من إعادة البناء والتحديث بما يواكب تحديات العصر.

وفي ظل هذا السياق، يصبح الحوار مع  الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، فرصة لاستكشاف ما وراء هذا الإنجاز الكبير. 

فالرجل يقف في موقع المسؤولية المباشرة عن قطاع يعد القلب النابض للعمل الأكاديمي والبحثي بالجامعة، حيث تتقاطع مهامه بين دعم الباحثين، وتعزيز النشر الدولي، وتطوير البرامج الدراسية، إلى جانب العمل على تعظيم الاستفادة من الموارد البحثية والشراكات الدولية.

في هذا اللقاء المطوّل، يفتح لنا الدكتور  السعيد أبواب كواليس الإنجاز، موضحًا كيف تمكنت جامعة القاهرة من الحفاظ على موقعها المتقدم في التصنيفات العالمية، وما هي الاستراتيجيات التي وضعتها لتظل منافسًا حقيقيًا على الساحة الدولية. 

كما يتحدث عن خطط الجامعة المستقبلية لتطوير البحث العلمي والدراسات العليا، وعن التحديات التي تواجهها مؤسسات التعليم العالي في مصر، وكيف يمكن تحويلها إلى فرص لتعزيز دور الجامعات في خدمة المجتمع والتنمية الوطنية.

س: بداية، كيف تقرأ تصدر جامعة القاهرة للجامعات المصرية في تصنيف شنغهاي 2025؟

 هذا الإنجاز يؤكد أن جامعة القاهرة تسير على الطريق الصحيح في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهو انعكاس مباشر للجهد الجماعي الذي يقوم به الأساتذة والباحثون والطلاب. تصدرنا للجامعات المصرية وحفاظنا على موقعنا ضمن أفضل 500 جامعة عالميًا في هذا التصنيف المرموق ليس وليد الصدفة، بل ثمرة سنوات من العمل الجاد والمتواصل، بدءًا من وضع خطط دقيقة للبحث العلمي، مرورًا بزيادة عدد الأبحاث المنشورة في المجلات الدولية عالية التأثير، وصولًا إلى تحسين جودة البيئة البحثية والبنية التحتية للجامعة.

س: ما هي أبرز العوامل التي ساعدت جامعة القاهرة على تحقيق هذا المركز المتميز؟


 هناك مجموعة من العوامل المتداخلة، في مقدمتها الاهتمام الكبير بالبحث العلمي باعتباره معيارًا رئيسيًا في تصنيف شنغهاي. نحن نعمل على دعم الباحثين ماديًا ومعنويًا، وتوفير الإمكانيات اللازمة لإجراء أبحاث عالية الجودة. كما قمنا بإنشاء مراكز بحثية متقدمة وتزويدها بأحدث الأجهزة، إلى جانب تشجيع النشر الدولي في مجلات Q1 وQ2. كذلك لا نغفل أهمية التعاون الدولي؛ إذ دخلنا في شراكات مع جامعات ومراكز بحثية عالمية، وهو ما عزز من تأثير أبحاثنا وجعلها أكثر حضورًا على الساحة الأكاديمية العالمية.

س: كيف انعكس هذا الاهتمام على مخرجات البحث العلمي في الجامعة؟


 شهدنا زيادة غير مسبوقة في عدد الأبحاث المنشورة دوليًا خلال السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، ارتفع عدد الأبحاث المنشورة في الدوريات المصنفة عالميًا بنسبة ملحوظة مقارنة بالأعوام الماضية، كما ارتفع معدل الاستشهادات بأبحاث أساتذتنا، وهو مؤشر واضح على جودة وتأثير تلك الأبحاث. بالإضافة إلى ذلك، تمكنا من ربط البحث العلمي بحاجات المجتمع والصناعة، بحيث تكون مخرجاته ذات جدوى تطبيقية تعود بالنفع المباشر على التنمية في مصر.

 

س: تصنيف شنغهاي يعتمد على معايير دقيقة مثل الجوائز العالمية والباحثين الأكثر استشهادًا.. كيف تعاملت الجامعة مع هذه التحديات؟

 بالفعل، تصنيف شنغهاي يعتمد بشكل أساسي على معايير موضوعية، منها عدد الحاصلين على جوائز نوبل وفيلدز، وعدد الباحثين الأكثر استشهادًا عالميًا، إلى جانب النشر في مجلات مثل Nature وScience. نحن ندرك صعوبة المنافسة في هذه الجوانب، لذلك ركزنا على بناء قاعدة بحثية قوية تُمكننا على المدى الطويل من المنافسة في هذه المؤشرات. كما سعينا لاستقطاب العلماء المرموقين، ودعم الباحثين الشباب، وتشجيعهم على إنتاج أبحاث رائدة يمكن أن تضع أسماءهم بين قوائم العلماء الأكثر تأثيرًا في المستقبل.

س: ما الدور الذي لعبته الدراسات العليا في تعزيز موقع جامعة القاهرة في التصنيفات الدولية؟

 الدراسات العليا تمثل القلب النابض للبحث العلمي. لدينا برامج دراسات عليا متميزة تغطي مختلف التخصصات، ونحرص على تحديثها باستمرار لتواكب أحدث الاتجاهات العالمية. كما أننا نعمل على ربط رسائل الماجستير والدكتوراه بالقضايا الوطنية وأولويات التنمية، وهو ما يعزز من القيمة العلمية والتطبيقية لهذه الأبحاث. كذلك أطلقنا حزم دعم للطلاب المتميزين في الدراسات العليا، وفتحنا المجال أمامهم للتعاون مع مراكز بحثية عالمية، ما أضاف زخمًا جديدًا لبيئتنا الأكاديمية.

س: وكيف تنظرون إلى دور الدولة في دعم جامعة القاهرة والبحث العلمي بوجه عام؟

 لا شك أن دعم الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي بقيادة الدكتور أيمن عاشور، كان له أثر بالغ في تحقيق هذا الإنجاز. الدولة وضعت البحث العلمي والتعليم الجامعي في صدارة أولوياتها، ووفرت التمويل والبنية التحتية، وأطلقت المبادرات الوطنية التي حفزت الجامعات على تطوير أدائها. نحن في جامعة القاهرة جزء من هذه المنظومة، ونستفيد من هذا الدعم لنحقق التميز، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن أيضًا على المستوى الدولي.

س: ما هي أبرز التحديات التي تواجه الجامعة للحفاظ على موقعها في التصنيفات العالمية؟
 

 التحديات عديدة، في مقدمتها المنافسة الشرسة بين الجامعات العالمية التي تستثمر مبالغ ضخمة في البحث العلمي. كذلك هناك تحديات مرتبطة بضرورة زيادة التمويل المخصص للأبحاث، وتعزيز قدرات الباحثين، وتحفيز النشر في المجلات العالمية. كما نواجه تحديًا مهمًا يتمثل في مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، والتي باتت تدخل في صميم البحث العلمي والتعليم. لكننا نعتبر هذه التحديات فرصًا أيضًا، لأنها تدفعنا للعمل بجدية أكبر والتفكير خارج الصندوق.

س: ما هي خطط الجامعة للحفاظ على هذا الإنجاز والبناء عليه في السنوات المقبلة؟

 خططنا واضحة ومحددة، ترتكز على عدة محاور: أولًا، الاستمرار في تشجيع النشر الدولي وزيادة التعاون البحثي مع المؤسسات العالمية. ثانيًا، الاستثمار في الكوادر الشابة ودعمها بالبرامج التدريبية والزمالات الدولية. ثالثًا، التوسع في البرامج متعددة التخصصات التي أصبحت اتجاهًا عالميًا، مثل دمج علوم البيانات بالطب أو بالهندسة. رابعًا، مواصلة تحديث البنية التحتية البحثية وتزويدها بأحدث التقنيات. هدفنا أن نصعد تدريجيًا في التصنيف لنصل إلى فئة أفضل 300 جامعة عالميًا خلال الأعوام المقبلة.

س: أخيرًا، ما هي رسالتكم للطلاب والباحثين في جامعة القاهرة بعد هذا الإنجاز؟

 رسالتي أن يفتخروا بانتمائهم لهذه الجامعة العريقة التي تجاوز عمرها أكثر من مائة عام، وأن يدركوا أن الحفاظ على الريادة مسؤولية مشتركة. أدعو طلابنا وباحثينا إلى العمل بجد واجتهاد، وأن تكون طموحاتهم بلا حدود. الجامعة توفر لهم كل ما يلزم من بيئة محفزة ودعم، ويبقى عليهم أن يستثمروا هذه الفرص ليواصلوا رفع اسم جامعة القاهرة عاليًا في مختلف المحافل.

وفي ختام هذا الحوار المطول الذي أجراه موقع الفجر مع الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، تتجلى بوضوح ملامح الرؤية الاستراتيجية التي تسعى الجامعة من خلالها إلى تعزيز مكانتها العلمية والبحثية إقليميًا ودوليًا، وترسيخ دورها كمحرك رئيسي للتنمية المستدامة في مصر. فقد استعرض الدكتور السعيد بدقة الجهود المبذولة في مجالات البحث العلمي، والتوسع في البرامج البينية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى الاهتمام برفع كفاءة الباحثين والطلاب، وتطوير البنية التحتية البحثية بما يتواكب مع المتغيرات العالمية.

هذا الحوار لم يكن مجرد عرض لإنجازات وأرقام، بل كشف فلسفة متكاملة تدرك أن قوة الجامعات لا تقاس فقط بالتصنيفات أو عدد الأبحاث المنشورة، وإنما بقدرتها على توظيف المعرفة في خدمة المجتمع، وخلق بيئة أكاديمية قادرة على إنتاج حلول عملية للتحديات الوطنية. ومن خلال ما طرحه الدكتور محمود السعيد، يتضح أن جامعة القاهرة تمضي بخطى واثقة نحو بناء منظومة تعليمية وبحثية متكاملة، تعزز من تنافسيتها وتفتح آفاقًا أوسع أمام أجيال الباحثين.

ومع التزام الجامعة برؤية مصر 2030، واستمرارها في تبني سياسات مبتكرة، تبقى جامعة القاهرة نموذجًا رائدًا يحتذى به في المنطقة، ومؤسسة علمية تحمل على عاتقها مسؤولية صناعة المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق