من قتل الصحفيين إلى إنكار الجوع بغزة.. مأزق السردية الإسرائيلية - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

القدس المحتلة- أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة-، واحدة من أكثر الحملات الإعلامية تضليلا منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، وهي حملة الإنكار المنهجية لوجود الحصار والجوع والتجويع في غزة، وذلك عقب اغتيال الجيش الإسرائيلي مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورين إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل.

ومع انكشاف زيف السردية الإسرائيلية على يد الشريف ورفاقه، ونجاحهم في ترسيخ مشاهد الإبادة الجماعية في غزة داخل الذاكرة الجمعية الإنسانية، لجأت إسرائيل إلى تحويل "صناعة الكذب" إلى أداة سياسية وإعلامية لتجميل صورتها أمام العالم، وأطلقت حملتها التضليلية تحت شعار "لا جوع في غزة".

وكتب جدعون ليفي في صحيفة هآرتس مقالا قال فيه إن مقتل أنس الشريف و4 صحفيين آخرين قرب مستشفى الشفاء لم يكن "مشيئة الله"، بل غارة إسرائيلية متعمدة لإعدامه بذريعة أنه "قائد خلية"، دون أي دليل سوى صورة له مع يحيى السنوار.

وكما في قضية شيرين أبو عاقلة، يضيف ليفي "تبنى الإعلام الإسرائيلي رواية الجيش بلا مساءلة"، فإما أنه تجاهل الخبر أو احتفى به، لتدفن الحقيقة مع الصحافة.

ويختم بأن إسرائيل قتلت آخر صحفي بقي في شمال غزة، الذي أوصى قبل رحيله بأن "لا تنسوا غزة"، مؤكدا أن موت الشريف جسّد موت الحقيقة والتضامن، وفضح خضوع الصحافة الإسرائيلية لآلة الدعاية.

ومع مرور الوقت، لم تحاول إسرائيل إخفاء جريمة اغتيال الشريف ورفاقه ولم تموه ولم تضلل ولم تراوغ كما فعلت في أول الحرب مع قصف المستشفيات والصحفيين، حيث احتفت بعد أقل من ساعة من قصف خيمة الصحفيين عند بوابة مستشفى الشفاء في نجاح عملية اغتيال الشريف بزعم أنه قائد خلية عسكرية في حركة حماس.

مثلث التضليل

نتنياهو جزم بعدم وجود جوع في غزة، وردّد الجيش الإسرائيلي الخطاب ذاته، في حين انخرط الإعلام المحلي في ترويجه، غير أن تقرير صحيفة "هآرتس" فضح التناقض الحاد بين الرواية الرسمية والواقع الميداني، مشيرا إلى تفاقم المجاعة يوما بعد آخر، ومؤكدا أن إسرائيل تمارس سياسة تجويع منظمة ضد سكان القطاع.

إعلان

شارك الجيش في حملة الإنكار التي يقودها نتنياهو، مدعيا عدم وجود دلائل على سوء التغذية ومفسرا الوفيات بأمراض مزمنة، رغم تسريب تقارير طبية تثبت أن بعض الضحايا قضوا جوعا، أما الإعلام الإسرائيلي، فقد تبنى الرواية ذاتها، إذ أنكرت القناة 12 وجود مجاعة، فيما وصفتها القناة 13 بأنها مجرد "كذبة من حماس".

بهذا الشكل، تكاملت أضلاع مثلث التضليل، الحكومة، الجيش، والإعلام، لترويج سردية موحدة تهدف إلى إنكار ما يجري على الأرض.

نتنياهو يزعم خلال المؤتمر الصحفي أنه لا جوع في غزة والمشاهد من القطاع مفبركة. .(الصور من مكتب الصحافة الحكومي التي عممها للاستعمال الحر لوسائل الإعلام)
نتنياهو يزعم خلال المؤتمر الصحفي أنه لا جوع في غزة والمشاهد من القطاع مفبركة (مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي)

نظرية المؤامرة

بذلك يصبح الاستنتاج المعلن واضحا، يقول مراسل صحيفة "هآرتس" نير حسون أن "عمليات التفتيش التي أجرتها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة ليست سوى اختلاقات فالشهادات ملفقة، والصور مفبركة، والواقع كما يعرض أمام العالم ليس إلا خدعة متقنة".

وأوضح الصحفي الإسرائيلي أنه كما هو مألوف في أي نظرية مؤامرة، فإن كل محاولة لإثبات الحقيقة لا تؤدي إلا إلى تعزيز الإنكار، فإذا تحدث الأطباء عن مجاعة شاهدوها ولمسوها بأعينهم في قطاع غزة، فالجواب لدى إسرائيل جاهز، إنهم "ببساطة مرسلون من قبل حماس".

الزعم بانعدام الجوع في قطاع غزة لا يقف عند حدود تصريح رسمي، يضيف حسون "بل يرتكز على سلسلة من الادعاءات المتشابكة، فبعد 22 شهرا من القصف، يقال في مكتب نتنياهو إن حماس نجحت في تجنيد ممثلين يؤدون أدوارا أمام الكاميرات، أشخاص يركضون خلف شاحنات المساعدات وكأنهم يتصارعون على الطعام".

بعضهم وفق الرواية الإسرائيلية، يقبل بالموت برصاص الجيش الإسرائيلي من أجل "المشهد"، فالأطفال سيظهرون بوجوه شاحبة يترقبون حصص الغذاء، والآباء سيصورون أنفسهم وهم يلتقطون بقايا الطعام من الرمال، والأطباء سيدلون بشهادات وصفت بأنها مختلقة، والممرضون والممرضات سيدخلون بيانات طبية "زائفة" في العيادات.

أما السكان الفلسطينيون في القطاع، فيتهمون باستخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور تظهر فقدانهم للوزن، في حين يتعاون صحفيون من مختلف أنحاء العالم، بحسب هذا الخطاب الإسرائيلي، مع هذه "المسرحية"، بالنتيجة العالم بأسره في نظر هذه السردية الإسرائيلية، ليس إلا أداة في خدمة حماس.

رواية زائفة

يقول محرر العلوم والبيئة في صحيفة "هآرتس"، ياردن ميخائيلي "لم تستثن أجنحة المستشفيات من هذه الرواية الإسرائيلية الزائفة والمضللة"، عيادات كاملة -بحسب الخطاب الرسمي الإسرائيلي-، أنشأها أطباء "خانوا مهنتهم" بغرض التأثير على الرأي العام العالمي.

بالإضافة لأطفال يعانون من أمراض وراثية خطيرة جمعوا في أقسام قيل إنها مخصصة لعلاج سوء التغذية، والأطباء -وفق التصوير الإسرائيلي- هم الرابح الأكبر من "المسرحية".

كل بطن منتفخ يراه العالم، وكل جسد نحيل تبرز عظامه من تحت الجلد، ليس في نظر هذه السردية الإسرائيلية، -يضيف ميخائيلي- "سوى جزء من حملة مدبرة، هذه ليست أعراض الجوع، يقال بحكومة نتنياهو، بل مجرد أمراض أخرى لا علاقة لها بنقص الغذاء".

الحقيقة مغايرة تماما، يتابع ميخائيلي، "في غزة هناك جوع شديد، بل إن بعض المؤشرات ترتقي إلى مستوى المجاعة، وهي المرحلة الأقصى من انعدام الأمن الغذائي، والأدلة على ذلك واضحة ومتعددة، متشابكة في مصادرها وزواياها، من خلال شهادات ميدانية، وتقارير منظمات إغاثة، وصور ومقاطع فيديو، وبيانات من مصادر محلية ودولية.

إعلان

بل إن بعض هذه الأدلة يؤكد ميخائيلي تأتي من إسرائيل نفسها، التي أعلنت أولا عن وقف كامل لدخول الغذاء إلى القطاع منذ مارس/آذار الماضي ثم أقرت لاحقا بالسماح بمرور كميات ضئيلة فقط لأسابيع معدودة، بمتوسط 71 شاحنة يوميا لإطعام أكثر من مليوني إنسان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق