هل ينجح ترامب في كتابة الفصل الأخير من حرب أوكرانيا؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لكن التطور الجديد هذه المرة جاء من العاصمة الأميركية واشنطن، حيث كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما وصفه بـ"تقدّم كبير" في ملف روسيا وأوكرانيا عقب قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، ما فتح الباب أمام تكهنات واسعة بشأن إمكانية بلورة اتفاق سلام شامل، يُنظر إليه كـ"مفاجأة" قد يفرضها ترامب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

"تقدّم كبير" ورسائل من قمة ألاسكا

الرئيس الأميركي لم يتردد في الإعلان أن القمة الأخيرة مع بوتين أفرزت تحوّلًا مهمًا، إذ قال بوضوح: "هناك تقدم كبير بخصوص روسيا"، وهي عبارة بدت محمّلة بالدلالات، خصوصًا بعدما كشف المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أن الرئيس الروسي وافق على السماح بضمانات أمنية قوية لأوكرانيا من الولايات المتحدة كجزء من اتفاق السلام المحتمل.

ويتكوف أوضح أن "الاتفاق على ضمانات أمنية قوية سيغير قواعد اللعبة"، مشيرًا إلى أن هذه الضمانات ستشكل مظلة حماية ضد أي غزو روسي إضافي. كما كشف أن بوتين وافق على "تكريس تشريعي من قبل روسيا بعدم دخول أي منطقة أخرى سواء في أوكرانيا أو في أي مكان آخر في أوروبا"، فيما بدا أنه التزام روسي مكتوب بعدم توسيع رقعة الحرب.

هذا التحول، إذا ما ترجم إلى اتفاق عملي، سيشكل قفزة في مسار الأزمة، خصوصًا أن بوتين ظل حتى وقت قريب متمسكًا بخطاب القوة والمكاسب الميدانية.

رؤية ترامب وروبيو.. ليس مجرد وقف لإطلاق النار

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قدّم رؤية الإدارة الأميركية بشكل أوضح، إذ قال: "الحل الأمثل لإنهاء الحرب في أوكرانيا يتمثل في اتفاق سلام شامل يحصل كل طرف فيه على شيء ويقدم مقابلا لذلك".

روبيو شدّد على أن إدارة ترامب "لا تسعى إلى مجرد وقف إطلاق النار بل إلى إنهاء الحرب"، وهو تصريح يكشف أن واشنطن تتحرك في اتجاه صياغة حل دائم، لا يقتصر على تجميد خطوط القتال بل يتجاوزها إلى تسوية سياسية أعمق.

هذا التوجه يتقاطع مع رغبة ترامب في تسجيل إنجاز خارجي بارز يعيد تشكيل التوازنات الدولية، ويُظهر الولايات المتحدة بمظهر صانع السلام القادر على إقناع خصومه بالجلوس إلى الطاولة.

زيلينسكي: تشكيك وتهديد بالعقوبات

في المقابل، جاء الموقف الأوكراني أكثر حذرًا، بل ورافضًا لبعض الطروحات. زيلينسكي لم يُخفِ شكوكه في إمكانية مشاركة روسيا في قمة ثلاثية مع أوكرانيا والولايات المتحدة، مؤكدًا أن "يجب فرض عقوبات جديدة على روسيا إذا رفضت القمة الثلاثية".

هذا التصريح يعكس عمق المخاوف الأوكرانية من أن تتحول الضمانات الأميركية – الروسية إلى صفقة على حساب كييف. بالنسبة لزيلينسكي، أي اتفاق لا يتضمن انسحابًا روسيًا من الأراضي الأوكرانية سيُنظر إليه كتنازل غير مقبول، خصوصًا في ظل الضغوط الداخلية والشعبية التي يواجهها.

أوروبا: ترحيب مشروط ومخاوف دفينة

من جانبها، رحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باستعداد ترامب لتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا "وفق البند الخامس للنيتو"، لكنها في الوقت نفسه رفضت أي قيود على الجيش الأوكراني.

الترحيب الأوروبي يعكس رغبة في أي مبادرة توقف الحرب وتخفف الأعباء الاقتصادية الخانقة، لكنه أيضًا مشروط بعدم تقويض سيادة أوكرانيا أو تقييد قدراتها العسكرية.

هنا يبرز الجدل حول "تفاصيل البند الخامس"، الذي ينص على أن أي هجوم مسلح ضد دولة عضو في الناتو يعد عدوانًا على جميع الأعضاء. وبالرغم من أن أوكرانيا ليست عضوًا في الحلف، فإن مقترح الضمانات الأميركية – الأوروبية يمنحها وضعًا شبيهًا، حيث ستلتزم واشنطن والدول الأوروبية بالرد على أي خرق روسي للاتفاق.

ضغط ترامب وتعب الأوكرانيين

قدّم الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية سكوت أولينغر رؤية مغايرة لكنها تحمل كثيرًا من الواقعية. خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، قال:

"هذا سؤال مهم جدًا لأن الذي نراه هو تشكيل متنوع من القضايا الشائكة... الضمانات الأمنية التي يجب أن تقدمها روسيا لترامب هي إشارة جيدة، لأنها ستعني أن مخاوف أميركا وأوكرانيا بشأن انتهاك روسيا للاتفاق سيتم التعامل معها بجدية".

لكن أولينغر أضاف أن "المشكلة تكمن في أن الجانب الروسي قد يرفض أي مبادرة تتعلق بتبادل الأراضي، لأن موسكو تسعى لأن تكون المنتصرة".

وفي تحليله، أشار إلى أن ترامب سيضغط على أوكرانيا مستندًا إلى استطلاعات رأي داخلية أظهرت أن 70% من الأوكرانيين يريدون وقف الحرب حتى لو كان الثمن الابتعاد عن قضية الأراضي.

هنا تكمن "المفاجأة" التي قد يسعى ترامب إلى استغلالها: الضغط على زيلينسكي لتقديم تنازلات في ملف الأراضي مقابل ضمانات أمنية غربية، مستفيدًا من رغبة الشارع الأوكراني في إنهاء الحرب بأي ثمن.

معضلة الأراضي: تنازلات أم خطوط حمراء؟

قضية الأراضي المحتلة تمثل أعقد ملفات الحرب. بالنسبة لروسيا، الحفاظ على دونباس والقرم يعد إنجازًا استراتيجيًا. أما بالنسبة لأوكرانيا، فالتنازل عن هذه المناطق يعني خيانة لتضحيات آلاف الجنود والمواطنين.

لكن أولينغر لفت إلى أن ترامب "ما يزال لديه الرغبة في إقناع روسيا بالتنازل عن بعض الأراضي"، وهو ما يضع واشنطن أمام معادلة شديدة التعقيد: كيف تقنع موسكو بالتراجع دون أن تبدو مهزومة، وكيف تضغط على كييف دون أن تظهر متخلية عن حليفها؟

الناتو خارج الطاولة.. وضمانات بديلة

من النقاط الجوهرية التي أثيرت أن "عضوية أوكرانيا في الناتو باتت خارج النقاش". هذا ما أكده أكثر من مصدر، ما يعني أن كييف لن تدخل الحلف في المدى المنظور.

لكن المقترح الأميركي – الأوروبي يطرح بديلاً: ضمانات أمنية شبيهة بالبند الخامس من الناتو، تجعل أي اعتداء روسي مستقبليًا سببًا لتدخل غربي جماعي.

وبينما يرى البعض أن هذا الحل قد يردع روسيا، يراه آخرون مجرد "مسكّن مؤقت"، لأنه لا يعادل مظلة الناتو الكاملة، ولا يضمن التزامًا جماعيًا أوتوماتيكيًا.

أوروبا وترامب: توافق رغم القلق

أشار أولينغر خلال حديثه بوضوح إلى أن "أوروبا تعاني كثيرًا اقتصاديًا، وفي المستقبل ستسعى إلى التوافق أكثر مع ترامب"، مضيفًا أن فرنسا وبريطانيا تحديدًا في موقع يسمح لهما بالتأثير على زيلينسكي لقبول الاتفاق.

هذا يعكس تحوّلًا محتملًا في الموقف الأوروبي، حيث قد تنتقل العواصم الأوروبية من موقف "الداعم المطلق لكييف" إلى موقف "المؤيد للتسوية"، خصوصًا إذا كانت برعاية أميركية وتُترجم على شكل وقف شامل للحرب.

بين "مفاجأة" ترامب ورفض زيلينسكي لأي تنازلات إقليمية، وبين الترحيب الأوروبي المشروط والاقتصاد العالمي المرهق، تظل أوكرانيا في قلب لعبة جيوسياسية معقدة.

الضمانات الأمنية التي طُرحت قد تمثل خطوة نحو إنهاء الحرب، لكنها أيضًا قد تكون مجرد محطة مؤقتة على طريق طويل. السؤال الأهم: هل ينجح ترامب في فرض كلمته على زيلينسكي، أم أن الحسابات الوطنية الأوكرانية ستبقى عصيّة على أي صفقة كبرى؟

الأيام المقبلة، وتحديدًا لقاء زيلينسكي المرتقب في البيت الأبيض، قد تحمل الجواب، وقد تحدد ما إذا كانت أوكرانيا على أعتاب سلام تاريخي أم جولة جديدة من الصراع الطويل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق