كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" نقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ورصدت استمرار جرائم الاحتلال، وعمليات التدمير الواسعة خاصة في مدينة غزة.
ومن بين المشاهد التي رصدتها "الأيام"، مشهد يوثق عمليات التدمير المتصاعدة في حي الزيتون بمدينة غزة، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على ارتفاع عدد وفيات المجاعة الحالية، ومشهد ثالث تحت عنوان: "فوضى المساعدات".
تدمير حيّ الزيتون
انتقلت رقعة التدمير من جنوب القطاع وشماله إلى مدينة غزة، وبدأت من حي الزيتون، الواقع جنوب شرقي المدينة، حيث يشهد عملية عسكرية واسعة.
وبعد استكمال تدمير مدينة رفح، وشمال القطاع، وغالبية مباني محافظة خان يونس، بدأت جرافات ووحدات هندسة في جيش الاحتلال بالوصول إلى مدينة غزة، وشرعت بأوسع عمليات تدمير تشهدها المحافظة، حيث يتواصل تنفيذ عملية مسح كاملة لحي الزيتون، باستخدام الغارات الجوية، التي عادة ما تستهدف العمارات، والبنايات متعددة الطوابق، وتقوم بتسويتها بالأرض، كما يتم تنفيذ عشرات التفجيرات يومياً في الحي، باستخدام "روبوتات" مفخخة، إضافة إلى تنفيذ عمليات تجريف باستخدام الجرافات الكبيرة والمتوسطة، التي تهدم عشرات المنازل يومياً، وتجرف شوارع وتدمّر بنية تحتية واسعة في الحي، كما أفيد بقيام قوات الاحتلال بمسح وتسوية الأرض في المناطق التي دمرتها، وإقامة مراكز ومرابض للدبابات.
من جهته، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن قوات الاحتلال تُدمر الحي وتسويه بالأرض، وقد دمرت نحو 400 منزل حتى الساعة.
ووفق المرصد فإنه وثق استخداماً كثيفاً "للروبوتات المتفجرة" في تدمير المربعات السكنية، إضافة إلى مئات الغارات الجوية وقذائف المدفعية.
وأشار إلى أن الهجوم على حي الزيتون يأتي ضمن هجوم أوسع لتدمير محافظة غزة، على غرار ما جرى في محافظات رفح، وشمال غزة، وخان يونس.
وأوضح المرصد أن فريقه الميداني تلقى معلومات عن وجود جثث لمدنيين في المناطق المستهدفة دون إمكانية انتشالها بسبب استمرار القصف، مبيناً أن إسرائيل تنتهج سياسة مسح المدن في قطاع غزة والقضاء على سكانها، وتهجير من ينجو منهم قسراً، في إطار جريمة الإبادة الجماعية، وأن تصعيد إسرائيل للإبادة الجماعية لإحكام السيطرة العسكرية على محافظة غزة، ينذر بارتكاب مذابح جماعية غير مسبوقة بحق المدنيين.
واللافت أن البدء بتدمير الحي المذكور جاء قبل الإعلان الرسمي من قبل قوات الاحتلال عن بدء العملية العسكرية المرتقبة في مدينة غزة، ويبدو أن الاحتلال سيستخدم الحي المذكور بعد تدميره ومسحه، كمركز تحكّم وسيطرة، وانطلاق للعمليات التي ستشن لاحقاً على الحي.
من جهته، أكد لمتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، أن ما يجري في حي الزيتون عملية إبادة، وأن قوات الاحتلال تستخدم "الروبوتات" في تفجير المساكن بحي الزيتون، وأن طواقم الإغاثة لا تستطيع التعامل مع المصابين في حي الزيتون، وهناك نحو 50 ألف مواطن في الحي لم يغادروه.
ارتفاع عدد وفيات المجاعة
طرأ في الأيام الماضية ارتفاع ملحوظ على عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة، حيث سجل أول من أمس، وفاة 11 مواطناً بينهم شقيقان، وهو أعلى رقم للوفيات اليومي يتم تسجيله حتى الآن.
ووفق آخر الإحصاءات والأرقام الرسمية فقد ارتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 251 شهيداً، من بينهم 108 أطفال "حتى مساء السبت".
ولفت مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش، إلى أن هناك 40 ألف رضيع يعانون من سوء التغذية الحاد في القطاع، وأن عدداً كبيراً منهم يعانون مستويات متقدمة من سوء التغذية.
وأكد البرش أن الطواقم الطبية في أشد حالات الإرهاق، موضحاً أن سوء التغذية وصل إلى مراحل كبيرة جدا، مبيناً أن أكثر من 28 ألف حالة سوء تغذية حادة في قطاع غزة، وهناك 500 طفل رضيع داخل المستشفيات بسبب سوء التغذية في القطاع.
بدوره، قال مدير عام جمعية العودة الصحية في غزة رأفت المجدولاي، إن نحو 550 ألفاً من مختلف الأعمار من سكان القطاع يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، واصفاً أوضاع المستشفيات كارثية، بسبب النقص الحاد في جميع المستلزمات الطبية.
بينما أكد رئيس مستشفى الأطفال في مجمع ناصر بخان يونس، أن المستشفى استقبل في يوم واحد 35 حالة سوء تغذية، وأن هناك ارتفاعاً في نسبة الوفيات نتيجة سوء التغذية.
وذكرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن إسرائيل تواصل استخدام التجويع أسلوب حرب وأداة لارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وأضافت "أمنستي" إن معاناة الجائعين في غزة تتفاقم بفعل نظام توزيع المساعدات الإسرائيلي المستخدم سلاح حرب مدمراً، مشيرة إلى أن إسرائيل تتعمد تجويع الفلسطينيين، وإنه يجب وقف الإبادة الجماعية في القطاع الآن.
وسبق أن حذرت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية حنان بلخي من أن "المنظمة تخشى من زيادة كبيرة جداً في الوفيات بسبب المجاعة في غزة" مؤكدة أنه لم يدخل إلى قطاع غزة سوى القليل جداً من المساعدات.
وأوضحت المسؤولة الأممية، أنه لا يوجد مستشفى يعمل بشكل كامل في قطاع غزة، كما أن هناك خشية حقيقية على حياة الطواقم الطبية في غزة بسبب المجاعة، مشيرة إلى أن "20% من الحوامل في غزة يواجهن الجوع، بينما يعاني الأطفال في القطاع بشكل كبير جداً بسبب الجوع".
فوضى المساعدات
ما زالت حالة من الفوضى العارمة تضرب جميع مناطق قطاع غزة، لاسيما فيما يتعلق بالمساعدات التي تصل إلى القطاع بشكل شبه يومي، عبر ثلاث ممرات رئيسة.
ورغم مرور عدة أسابيع على بدء إدخال المساعدات إلى القطاع، إلا أن أحداً من المواطنين والنازحين لم يتسلم حتى ولو حبة أرز واحدة، فجميع الشاحنات التي تصل يتم نهبها وسرقتها في مناطق "مفترق موراغ"، و"محور نتساريم"، و"طريق كيسوفيم"، وتقع تلك المناطق جنوب، ووسط، وشمال القطاع، إذ يعترض اللصوص الشاحنات، ويفرغون حمولتها، ثم ينقلونها إلى الأسواق لبيعها.
وأمام هذا الوضع المستمر، باتت المساعدات حكراً على فئة محدودة من المواطنين وهم "البلطجية"، بينما بقية السكان مُجبرون على شرائها من الأسواق.
وأكد المواطن إبراهيم عدوان إن الأسواق ممتلئة بالمساعدات المسروقة، بداً بالطحين، والتمر، والأرز، مروراً بالطحينية، والبقوليات، وليس انتهاءً بالمعلبات، وبعضها مكتوب عليها بوضوح أنها جاءت كمساعدة للفلسطينيين، وهي غير مخصصة للبيع.
ولفت عدوان إلى أنه بات بين خيارين، إما التوجه إلى مناطق وصول المساعدات، وحمل سكين أو سلاح، وضرب غيره، حتى يصل للمساعدات، وهو لا يستطيع فعل ذلك، ولا يعرف كيف يفعلونه، عدا المخاطر التي قد يواجهها في حال توجه إلى هناك، بسبب إطلاق النار الإسرائيلي، والخيار الآخر أن يشتري المسروقات من السوق بأسعار عالية، فاختار الثانية.
وأشار إلى أنه كان يشاهد طائرات المساعدات تلقي مظلات فيها مواد غذائية، فأرسل ابنه لعله يستطيع جلب بعض الطعام لهم، لكنه عاد من دون شيء، وقد أخبره بأن هناك عصابة مسلحة كبيرة، تسيطر على المساعدات المُسقطة، وتمنع أي شخص من الوصول إليها، وينقلونها ويبيعونها أيضاً.
في حين قال "جمال"، الذي رفض ذكر اسمه كاملاً، وهو متمرس في سرقة المساعدات من منطقة "موراغ"، إنه لو ترك الشاحنات تمر لن يتركها غيره، وقد أصبح اعتراض الشاحنات من الأمور الدارجة في غزة، وقد حوّل الأمر وغيره إلى مهنة، يعتاشون منها، إذ يسرق برفقة عدد من أقاربه كميات كبيرة يومياً، وينقلونها بوساطة شاحنة، ثم يبيعونها في الأسواق، مقراً بأنه وغيره لا يجرؤون على اعتراض شاحنات التجار، فهي مؤمّنة بشكل جيد، ويرافقها مسلحون، بينما شاحنات المساعدات تمرّ دون حماية.
0 تعليق