لعنة إسرائيل التي ستدمرها - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تركت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة آثارها البالغة على الكيان الصهيوني ذاته وآفاق استمراره.

وقد عبر عن أزمته الوجودية كتاب وجنرالات وصحفيون وسياسيون، إسرائيليون وغربيون، تناولوا جوانب عديدة لأزمة الكيان يصعب حصرها جميعا.

بعضها يتعلق بحرب طويلة جدا وغير مسبوقة في تاريخ الكيان، وأدت لإنهاك اقتصادي وتكاليف باهظة وتعطيل الإنتاج الضروري لإسناد الجهد الحربي؛ بسبب استدعاء مئات الآلاف من أفراد وتشكيلات الاحتياط، مما دفع شركات للإغلاق والهجرة، وراكم الديون وإصدار سندات الكيان محليا ودوليا.

وبعضها تناول افتقاد الأهداف والإستراتيجية العسكرية في حرب عبثية طويلة استنزفت القوات العاملة وقوات الاحتياط، واضطرت قيادة الأركان لتمديد فترة خدمة قوات الاحتياط مرات، مما استنزف قدرة الكيان العسكرية، بما يتجاوز كافة الحروب السابقة، مما يحيل مزاعم نتنياهو بتغيير خرائط المنطقة، احتلالا وتوسعا واقتلاعا، إلى عبث.

تهميش البقرة المقدسة

يفاقم الأمرَ خلاف شديد وتبادل اتهامات وصراخ وتلاسن خرج للعلن مبكرا بين قيادة سياسية بلا وجهة، وبين قيادة عسكرية وأمنية متورطة بجرائم حرب وإبادة وتجويع ودمار شامل، وانهيار الثقة بين القيادتين، وحملة رئيس الوزراء وحلفائه، من دعاة الإبادة ومعسكرات الاعتقال والاقتلاع، على الجيش (بقرة "إسرائيل" المقدسة)، وقيادته وإهانتها واتهامها بالعجز والفشل وتحميلها وحدها كافة مظاهر الإخفاق منذ اندلاع طوفان الأقصى.

وتزداد الأزمة تفاقما بعزل القيادة العسكرية عن دائرة صنع القرار السياسي وتهميشها، خاصة بعد اختتام عملية "عربات جدعون" التي لم تنجز إلا التدمير والإبادة والتجويع، وتكبدت خسائر فادحة.

ويزداد السخط لدى مئات الخبراء والقادة العسكريين والأمنيين السابقين الذين يمثلون العقل الإستراتيجي الصهيوني، ما يؤكد ضياع الإجماع حول شؤون الأمن، ومصير المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي.

إعلان

يتزامن ذلك مع انقسام المجتمع الصهيوني عموديا بين علمانيين (يُرمز لهم بمملكة إسرائيل التوراتية) ومتدينين (مملكة يهوذا)، كما وقع بعد انقسام مملكة داود وسليمان.

وساءت الأمور أكثر وانتشرت الكراهية بينهما بعد انقلاب نتنياهو وحلفائه على المحكمة العليا ونقض صلاحياتها في مراقبة الحكومة، مما أثار اليهود العلمانيين بالكيان والغرب.

وتضاعف الانقسام دينيا وسياسيا بعد طوفان الأقصى واندلاع احتجاجات واسعة متواصلة في تل أبيب والمدن ضد تجاهل حكومة نتنياهو أسرى الكيان، ويتعرض المتظاهرون يوميا لعنف أنصار اليمين والشرطة، اعتقالا وسحلا بالشوارع، إذ يغلب على المحتجين الطابع العلماني المناقض لليمين الديني والقومي وائتلافه الحاكم.

احتلال غزة: لا إجماع ولا إقرار مهني!

يقول الصحفي الإسرائيلي المخضرم ومحرر "معاريف"، بن كاسبيت، أن "إسرائيل منذ تأسيسها دأبت على شن حروب واتخاذ خطوات إستراتيجية خطيرة ومثيرة للجدل، ولكن بعد استيفاء شرطين: الأول إجماع (وطني) واسع، والثاني إقرار القيادة المهنية لكبار الخبراء ومسؤولي الأمن.

وفي الحالات القصوى، لم يكن ممكنا الاكتفاء بأحدهما. أما في حالة "احتلال غزة"، فلم يتحقق أي منهما. فلا إجماع ولا إقرار مهني! ورغم ذلك، يلعب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بهذه اللعبة التي اشتراها للكهانيين الذين استولوا على حكومته. لكن اللعبة تم شراؤها بـ"أموالنا"، وقد نفقد السيطرة عليها، فتصبح لعبة من الجحيم".

وجاءت حملة تجويع أهل غزة، التي دفعت أكثر من مليوني إنسان إلى كارثة إنسانية ومجاعة تجاوزت كل مستويات الجوع ومقاييسه ومراحله المعتمدة أمميا ودوليا، لتُدخل الكيان الصهيوني مرحلة جديدة بل أزمة كبيرة مع النظام العالمي الإمبريالي الذي أنشأ المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي ذاته، وتعهده قرنا كاملا، بالحصانة من العقوبات والدعم السياسي وأدوات الإبادة، ومنحه الضوء الأخضر لارتكاب جرائم الحرب والاحتلال والتطهير العرقي والقتل الجماعي بشكل أدهش قادة الكيان، فغرهم وورطهم في شرور أعمالهم.

من أبرز تطورات العامين الماضيين هو انكشاف السردية الصهيونية أمام العالم وسقوط مزاعمها وديباجاتها وأساطيرها أمام الرأي العام الغربي بخاصة، وظهور القصة الحقيقية أو الجريمة التاريخية لتأسيس المشروع الصهيوني ونكبة فلسطين على أنقاض شعبها بالحديد والنار والاقتلاع وعشرات المذابح، لإحلال شعب محل شعب، وتاريخ محل تاريخ، وثقافة محل ثقافة، وكل منها إبادة بحد ذاتها.

ليست حربا.. بل مهزلة دامية

بدوره، قدم يوآف بن إلياهو،  المحلل الأمني والإستراتيجي، خطابا صادما من نادي الصحافة الدولي بقلب تل أبيب، في اليوم 663 من الإبادة في غزة، وأمام صحفيين إسرائيليين ودوليين، وبثته مباشرة عدة قنوات:

"أيها السادة، 663 يوما من القصف، 663 يوما من الموت والدمار، من الخداع والتضليل، من رفع الشعارات الكاذبة: "سنمحو حماس"، "سنعيد الردع"، "سنستعيد رهائننا".. وها نحن اليوم نقف أمام مرآة الحقيقة، عراة تماما من أي إنجاز. فإسرائيل لم تنتصر. إسرائيل غاصت في مستنقعٍ صنعته بيديها.

كل ما فعلناه خلال 663 يوما هو تحويل قطاع غزة إلى أطلال، لكننا لم نحطم فيه إلا صورة إسرائيل الأخلاقية والعسكرية. أين الردع؟ أين الإنجاز؟ أين الرهائن؟ أين الخطة؟ لا شيء.

إعلان

نتنياهو! هذه ليست قيادتك. هذه جريمتك. رئيس الحكومة استخدم دماء الجنود والرهائن والضحايا من الجانبين كورقة انتخابية. دخل الحرب بدون هدف، ولا يعرف كيف يخرج منها. والنتيجة؟ أكثر من 4000 جندي قتيل، شلل اقتصادي وأمني داخلي، عزلة دولية تتزايد، وصورة "إسرائيل" كدولة احتلال فقدت السيطرة.

فشل استخباراتي غير مسبوق. بدأت الحرب بانهيار أمني يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولم تنتهِ لأنه لا أحد يعرف أين تبدأ المقاومة وأين تنتهي. "حماس" وغيرها من الفصائل تقاتل من أنفاق لا نهاية لها، بنظام لامركزي، وبعقيدة لا نملك أدوات لفهمها. نحن نحارب أشباحا بعقلية حرب 1973.

فالمقاومة الفلسطينية ليست مجرد مليشيا، بل هي نموذج حرب جديد. إنها مرنة: تضرب وتعود. تفقد القادة وتعيد التنظيم. تحظى بحاضنة شعبية كاملة رغم الكارثة الإنسانية. تتفوق في الإعلام والحرب النفسية علينا. وتقاتل بروح نحن لا نملكها: لأنهم لا يخافون الموت، ونحن نخشاه.

وماذا فعلنا نحن؟ قتلنا عشرات آلاف البشر بينهم آلاف الأطفال، ولم نكسر عزيمتهم. هدمنا بيوتهم، فقط لنرى مقاوميهم يعودون من تحت الركام. اعتمدنا على طائراتنا، ففقدنا السيطرة على الأرض. تجاهلنا الرأي العام العالمي، فخسرنا قلوب حتى أقرب حلفائنا.

أيها السادة، لا يمكن كسب حرب ضد شعب يقاتل من أجل وجوده، بينما نحن نقاتل من أجل صورة على شاشة "القناة 12″. الوقت لا يعمل لصالحنا. الرهائن لن يعودوا بالقنابل. والردع لن يُستعاد بالمذابح.

والرسالة الأخيرة: إن لم تتوقف هذه الحرب الآن، فإن الخسارة المقبلة لن تكون في غزة.. بل في تل أبيب نفسها. إن لم نكسر غرور هذه الحكومة، فإن المقاومة ستكسر بنيتنا من الداخل. شكرا لكم… وليشهد التاريخ أن بعضنا نطق بالحقيقة، قبل أن تتحطم تماما في صمت الأغلبية".. انتهى.

الطريق نحو الحرب الأبدية

ونقلت هآرتس عن المحلل العسكري، عاموس هرئيل، أن خطة نتنياهو لاحتلال قطاع غزة تضع "إسرائيل" على طريق (آمنة) نحو حرب أبدية.

أما محلل يديعوت أحرونوت العسكري، آفي يسخاروف فيقول: من المؤكد أن الحرب في غزة ستدرس في المدارس والكليات العسكرية، بعنوان "هكذا لا تحسم حربا". "إن الفشل الذريع للحكومة الإسرائيلية في ترجمة النجاح العسكري التكتيكي إلى إنجازات سياسية إستراتيجية هو خطأ فادح لا يقل، إن لم يكن أكبر، عن فشل 7 أكتوبر/تشرين الأول، على الأقل، فوجئنا حينها. لكن في إدارة الحرب؟ كان كل شيء واضحا ومعروفا".

وبحسب تقرير أوليان شيشي بالقناة N12، انضم رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، لموقف رئيس الأركان إيال زامير في نقاش مجلس الوزراء، وعارض خطة رئيس الوزراء لاحتلال غزة، كما أبدى رئيس الموساد تحفظاته على هذه الخطوة، ودعا إلى مواصلة المفاوضات بشأن صفقة الرهائن. وخلال استراحة، اندلعت مواجهة حامية الوطيس بين وزيرة الاستيطان، أوريت ستروك،  ومنسق شؤون الأسرى والمفقودين، غال هيرش.

قال هنغبي بجلسة مجلس الوزراء: "لست مستعدا للتخلي عن إنقاذ الرهائن. لا أفهم كيف يمكن لأي شخص شاهد فيديوهات الأسيرين الجائعين إيفيتار [ديفيد] وروم  [براسلافسكي]، وكل ما نُشر قبلها، أن يؤيد مقولة "كل شيء أو لا شيء".

هذا يعني التخلي عن فرصة إنقاذ ما لا يقل عن عشر رهائن فورا، لأن حماس لن تلتزم بهذا الأمر. وأضاف هنغبي أن "وقف إطلاق النار سيُتيح محاولة التوصل لاتفاق بشأن العشر المتبقين. أتفق تماما مع رئيس الأركان على أن السيطرة على مدينة غزة تُعرض حياة الرهائن للخطر، لذلك أعارض اقتراح رئيس الوزراء".

سموتريتش: إذا لم نتجه نحو احتلال كامل وإذا فعلنا ذلك لمجرد التوصل لاتفاق، فلن يكون الأمرُ مُجديا. إذا كان الأمر كذلك، فإن خطة رئيس الأركان هي الأفضل حقا.

إعلان

بن غفير: يجب ألا نتوقف بمنتصف الطريق. الرسالة التي تتلقاها حماس باستمرار هي أن الكرة بيديها. يجب أن نمضي قدما حتى النهاية.

رئيس الأركان: ستكون حياة الرهائن في خطر إذا شرعنا في خطة لاحتلال غزة. ليس لدينا أي ضمانات بعدم تعرضهم للأذى في مثل هذه الحالة. إذا كان هذا ما تسعى إليه، فأقترح عليك أن تُخرج عودة الرهائن من أهداف الحرب.

بن غفير: نريد قرارا. هناك إحاطات مستمرة من المسؤولين العسكريين. أنتم تابعون للمستوى السياسي. تعلموا من الشرطة كيفية الامتثال لقرارات المستوى السياسي.

سموتريتش: يجب ألا نتوقف بمنتصف الطريق. إذا سعينا لاتفاق مؤقت، فستكون هزيمة.

مآلات وتهديدات وجودية

أفلتت قيادة المشروع الصهيوني من سيطرة المؤسسة الصهيونية العلمانية التقليدية، (العقلانية) بموازين الإمبريالية ومعايير المركز الغربي الإمبراطوري، وأصبح المشروع والكيان كلاهما تحت سيطرة أقلية قومية دينية تحكمها غيبيات استيطان وهمية وأساطير الإبادة في العهد القديم، وخرافات ملاحم بني إسرائيل وشرائع التلمود الوثنية العنصرية وتعاليم إله العنف الوثني "يهوه".

ومآلات ذلك بالغة الخطورة تهدد وجود واستمرار الكيان الصهيوني ذاته. وهذا هو التطور الطبيعي للمشروعات الاستيطانية الإمبريالية القائمة على العنف العنصري والفاشية والإبادة.

اختطفت هذه الأقلية الكيان الصهيوني، وابتزت نتنياهو واليمين العلماني، واستغلت تمحوره حول ذاته ونرجسيته ورعبه من السجن نتيجة فساده، فاتخذته رهينة ومعه الكيان الصهيوني كله، وصادرت الديمقراطية اليهودية المزعومة، ديمقراطية سفينة القراصنة، وباتت عمليا تنفرد بقرار الكيان، وقد تقطع الحبل السُري الذي يربطه بالنظام الإمبريالي العالمي.

وهذا بدا جليا في العزلة المفروضة على الكيان، وانقلاب جمهور الشارع الغربي عليه، واعتباره كيانا فاشيا قائما على الإبادة والعنصرية.

والأخطر هو انفراط العقد (الاجتماعي)، أو بالأحرى الاستيطاني، بين الكيان الصهيوني ومستوطنيه، بزعم أنه مأوى يهود العالم وحصنهم، بترك الأسرى الإسرائيليين يواجهون مصيرهم في غياهب أنفاق غزة وقد استحالوا هياكل عظمية وجيفا تنتظر الاحتضار!

بعد أيام من حدث 7 أكتوبر/تشرين الأول، عُرض فيلم توثيقي (حصري) لأعضاء الكنيست، فأغمى على بعضهم من هول الصدمة؛ لكن في لحظة نادرة، وبعد مشاهدة العنف العدمي الذي أوقعته آلة الحرب الإسرائيلية على (الرهائن) من مستوطني غلاف غزة، قال يائير لبيد، زعيم المعارضة بالكنيست، الذي لم تُعرف عنه الحكمة: "إسرائيل ليست دولة أخلاقية، وليست قوة إقليمية، ولن تنتصر في الحرب"!

وعندما أعلن نتنياهو نواياه الحقيقية، ونيته تغيير خرائط المنطقة بالحروب، قال لبيد: "نتنياهو سيحارب الجميع ويهزم الجميع في الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل"!

تبدو لحظة الإبادة الإسرائيلية، بتعبير عبدالوهاب المسيري، "لحظة نماذجية" مثالية لفهم سيرورة وأزمات مشروعات الاستيطان، وتمثل مسارا استيطانيا وحيدا نحو حل نهائي لأزمة المشروع الصهيوني: الوجود الفلسطيني، والمقاومة، وعقم استخدام الإبادة ضد حقٍ لا يقبل الإبادة!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق