هل نستفيد حقًا من خطب الجمعة؟ - هرم مصر

سبق 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تم النشر في: 

17 أغسطس 2025, 7:37 مساءً

ما قيمة الكلمات إن لم تتحول إلى أفعال؟ هل خُطبة الجمعة مجرد طقس اعتدناه كل أسبوع، أم أنها فرصة لإعادة صياغة حياتنا وتجديد مسارنا؟ هذا السؤال هو المدخل الحقيقي لفهم دور المنبر، الذي لم يكن يومًا مجرد كلمات تُلقى ثم تُنسى، بل كان ولا يزال منارةً للوعي، وصوتًا يذكّر الناس بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

خطبة الجمعة رسالة أسبوعية توقظ العقول، وتهزّ القلوب، وتوجّه النفوس نحو ما يصلحها. لكن السؤال العميق الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا: هل نستفيد منها فعلًا؟ أم أننا نسمعها ثم نغادر المسجد وكأن شيئًا لم يكن؟

إن قوة خطبة الجمعة تكمن في كونها تلامس شؤون حياتنا اليومية. ليست خطابًا وعظيًا مجردًا، بل منهجًا عمليًا لو التزمنا به لتغير الكثير من واقعنا. على سبيل المثال، في خطبة المسجد النبوي الأخيرة، وجّه الشيخ عبد الله البعيجان نصائح مباشرة للطلاب والطالبات بضرورة الانضباط والجد والاجتهاد، كما دعا الآباء لمتابعة أبنائهم، والمعلمين لتحمل أمانة رسالتهم العظيمة في غرس القيم ونقل العلم.

لكن المسؤولية لا تقف هنا، بل تمتد إلى كل بيت. علّموا أبناءكم كيف يستفيدون من خطب الجمعة، وازرعوا فيهم العمل بما يسمعون، واصطحبوهم إلى صلاة الجمعة والصلوات الخمس، ليشبّوا على قيمة الكلمة الصادقة، ويروا أثرها حيًا في حياتهم. فالخطب ليست دروسًا نظرية، بل طاقة للتربية والتغيير إن أحسنا توظيفها.

غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في مضمون الخطبة وحده، بل في مدى تفاعلنا معها بعد انتهاء الصلاة. فكم من مرة خرجنا من المسجد، وقد أعجبتنا الكلمات، لكننا لم نترجمها إلى أفعال؟ وكم من مرة استمعنا إليها عبر التلفاز أو المنصات الرقمية، لكننا لم نتوقف لحظة لنسأل أنفسنا: كيف أُطبق ما سمعت؟

الخطب ليست كلمات عابرة، بل بوصلة لحياة متوازنة. إذا جعلناها مجرد طقس أسبوعي، فسوف نفقد قيمتها، أما إذا أخذناها كدليل عمل، فسنجد أنها قادرة على تغيير سلوكنا، وتهذيب نفوسنا، وبناء جيل يعرف قيمة الوقت والعلم، ويعيش بمعايير أسمى من مجرد الحضور والغياب.

ولعل ما يثري النقاش أكثر أن الخطب اليوم تعيش بين واقعين: منبر المسجد التقليدي، وفضاء إعلامي واسع. فالخطيب لم يعد يوجه حديثه للحاضرين فقط، بل قد تصل كلماته إلى ملايين عبر البث المباشر والشبكات الاجتماعية، ما يجعله في موقع أقرب إلى دور الإعلامي الذي يحمل رسالة ويخاطب جمهورًا متنوعًا. ويبرز هنا دور معالي رئيس الشؤون الدينية في المسجد الحرام والمسجد النبوي معالي الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس بمتابعته وحرصه على إيصال رسالة الإسلام، وتأكيده على الوسطية والاعتدال في كل ما يُقدَّم.

ومن المبادرات اللافتة في هذا المجال، مبادرة الخطيب البديل، التي تضمن استمرارية المنبر مهما كانت الظروف، ليظل صوت الهداية حاضرًا ومؤثرًا. كما أن مبادرة ترجمة خطب الحرمين الشريفين إلى 15 لغة عالمية، مع التوجه معالي الرئيس لزيادتها إلى 30 لغة تغطي قارات العالم، تمثل جهدًا مؤسسيًا ضخمًا يلامس المشاعر الإنسانية ويخاطب العقول بما يحقق رسالة الحرمين في نشر الهداية والوسطية والسماحة الإسلامية.

وفي الوقت ذاته، وجّه معالي وزير الشؤون الإسلامية الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ خطباء الجوامع للحديث عن فضل العلم ومكانته، والتأكيد على أثره في بناء الأفراد والمجتمعات، وحث الطلاب على استثمار وقتهم، وتذكير المعلمين بدورهم السامي، وإبراز مسؤولية الأسرة في رعاية الأبناء وضبط سلوكهم. إنها رسالة متكاملة؛ تبدأ من الطالب، ولا تنتهي عند المعلم أو الأسرة، بل تصل إلى المجتمع كله.

كما أن التلقي ليس واحدًا؛ فهناك من يخرج من المسجد وكأن الخطبة لم تمر على قلبه أو عقله، وهناك من يجد فيها زادًا إيمانيًا وفكريًا يغير في سلوكه وممارساته. هذا التباين يعكس التحدي الحقيقي: كيف تُصاغ الخطب لتكون أكثر تأثيرًا، وتلامس عقلية الناس وقضاياهم اليومية، من دون أن تفقد رسالتها الشرعية والوعظية.

ومع التحولات المعاصرة وسرعة الحياة الرقمية، تزداد الحاجة إلى خطب واعية توازن بين لغة الخطاب الديني الأصيل، وحاجات الإنسان العادي الذي يواجه ضغوطات العمل والدراسة والإعلام المفتوح. المطلوب أن تكون الخطبة جسرًا بين الواقع والرسالة، وأن تقدَّم بلغة مؤثرة تجعل المستمع يخرج بفكرة واضحة يمكنه تطبيقها.

ولكي يكون الأثر أعمق، يمكن لكل فرد أن يدوّن فكرة واحدة من الخطبة ويطبّقها خلال الأسبوع، أو يناقش أبناءه فيما سمعوه، أو يلتزم بوصية محددة حتى تصبح عادة. خطوات بسيطة لكنها كفيلة بتحويل الخطبة من كلمات تُسمع إلى تغيير ملموس.

ختام ما أقوله.. خطب الجمعة امتحان أسبوعي لمدى استعدادنا لنكون أفضل، لنعلم ونعمل، ولنربي أبناءنا على حضورها وتطبيقها، حتى نغرس فيهم يقينًا بأن الدين ليس شعائر مؤقتة، بل حياة متكاملة. فهي كلمات قد تغيّر حياة إنسان كامل، إذا منحناها الفرصة لتغيّرنا. فلنجعل لكل جمعة أثرًا فينا، لا نخرج منها كما دخلنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق