د. مصطفي ثابت يكتب لماذا لا نفكر في بدائل ذكية بدلاً من تحميل المواطن زيادة 40% في أسعار الكهرباء؟
من جديد، يتردد الحديث عن زيادة مرتقبة في أسعار الكهرباء قد تصل إلى 40%، في وقت لم يعد فيه المواطن قادرًا على تحمل أعباء إضافية. والسؤال هنا: لماذا تظل أول استجابة من وزارة الكهرباء هي جيب المواطن، بينما هناك حلول عملية وناجحة مطبقة في دول أصغر وأفقر من مصر؟
الطاقة الشمسية: كنز لا نستخدمه
زرتُ لبنان مؤخرًا، واكتشفت أن ما يقرب من 90% من المنازل هناك تعمل بالكهرباء المنتَجة من الطاقة الشمسية. لبنان، بلد محدود الموارد، استطاع أن يجعل المواطن شبه مستقل عن شبكة الكهرباء.
فكيف بمصر التي تتمتع بأكثر من 3000 ساعة سطوع شمسي سنويًا؟!
لماذا لا تبدأ وزارة الكهرباء بتجربة نموذجية تُلزم الكمبوندات والفيلات الفاخرة بتركيب أنظمة شمسية كاملة؟ هذه الفئة مقتدرة، ولن تتردد في استثمار 200–300 ألف جنيه إضافية في فيلا بملايين، خاصة إذا كانت ستوفّر لهم فاتورة قد تصل إلى 5 آلاف جنيه شهريًا.
العدالة الاجتماعية في التطبيق
أما الفئات غير القادرة، فيمكن للدولة أن توفر لها مشروعات شمسية بدعم من:
• الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية المموِّلة للتحول الأخضر.
• الصندوق السيادي المصري بالشراكة مع شركات خاصة متخصصة.
وبدل أن تتحمل الدولة عبء الصيانة، يمكن للقطاع الخاص أن يتولى الإدارة والمتابعة، فيما تضع الوزارة معايير وضوابط لضمان الكفاءة.
من جيب المواطن إلى استثماره
بدل أن تُحمِّل المواطن زيادة مباشرة بنسبة 40%، يمكن للوزارة أن تقول: “ادفع نفس المبلغ كقسط على منظومة شمسية ستصبح ملكك خلال سنوات قليلة، وتتحول إلى مصدر دائم للطاقة”.
بهذا تتحول العلاقة من تحميل المواطن عبئًا إضافيًا إلى تمكينه من استثمار طويل الأمد.
تجارب عالمية تلهمنا
• بريطانيا: أجبرت المنازل على تغيير السيفونات والأجهزة الموفّرة للمياه، لأن تكلفة الدعم كانت أعلى من تكلفة التغيير.
• ألمانيا: سمحت للمواطنين ببيع الكهرباء الفائضة للدولة عبر نظام (Feed-in Tariff)، فتحولت البيوت لمزارع طاقة صغيرة.
• المغرب: دشّنت مشروع “نور” العملاق بتمويلات دولية، وأصبحت نموذجًا عالميًا في التحول الأخضر.
إن استمرار التفكير بمنطق “رفع الأسعار” هو الأسهل للحكومة، لكنه ليس الأعدل ولا الأكفأ. المطلوب اليوم رؤية ذكية تجعل من الطاقة الشمسية مشروعًا قوميًا، يبدأ بالفئات القادرة ويصل تدريجيًا إلى الفئات الأقل قدرة، بالشراكة مع المؤسسات الدولية.
الكرة الآن في ملعب وزارة الكهرباء: هل تظل تفكر بمنطق الجباية، أم تنتقل إلى منطق الاستثمار الذكي؟
0 تعليق