حين يرحل إنسان عزيز، يعتصرنا الحزن وألم الفراق وتكون الحاجة إلى السكينة والطمأنينة والتسليم بمشيئة الله أعظم وأهم من التفكير والإنشغال بتحضير الطعام للمعزيين. لكن ما آل إليه حالنا في بيوت العزاء جعل من المصاب مضاعفاً؛ فبدل أن ينشغل أهل الفقيد بوداعه والدعاء له، يُثقلون بترتيب الولائم وتجهيز المناسف، وكأن الحزن صار مناسبة للبذخ لا للتأمل.

وفي حسبة بسيطة وتقريبية تقدر تكاليف موائد العزاء عام 2024 بحوالي 18 مليون دينار على الأقل وذلك باعتبار أن معدل تكلفة موائد الطعام للميت الواحد خمسمائة دينار (سجّل الأردن حوالي 36 الف وفاة عام 2024). وفي بلد أنهكته الديون التي تجاوزت 115% من الناتج القومي، وأرهق أفراده الغلاء والعوز، يصبح صرف هذه الملايين على موائد العزاء نوعاً من الظلم للنفس وللوطن. ثم ماذا يجني الميت من هذه الولائم؟ وهل تُفتح له أبواب الرحمة بكمية ما يُذبح ويُطهى او بعدد المناسف؟

الشرع واضح: التعزية مواساة لا مباهاة، والرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على صنع الطعام لأهل الميت فقط لأن المصيبة تشغلهم(اصْنَعُوالآلِ جَعْفَرٍطَعَامًا فإنه قد أتاهم أمر شغلهم). والصدقة في وجه فقير أصدق نفعاً وأبقى أثراً للمتوفى من وليمة عامة تُنسى بانتهاء العزاء.

وللتخلص من هذه العادة التي أرهقت الناس وأوقعت كثيراً من الأسر في الديون، لا بد من خطوات عملية مثل:

• ميثاق شرف عشائري تتبناه العشائر في كل أنحاء الأردن، يحرّم إقامة الولائم في بيوت العزاء.

• قدوة من الوجهاء والمؤثرين، بأن يبدأوا هم بترك هذه المظاهر، فيسقط الحرج عن عامة الناس.

• إعلام مسؤول يسلّط الضوء على خطورة الظاهرة ويقدّم البدائل الشرعية والاجتماعية الأصوب.

• مقاطعة مجتمعية لولائم العزاء، حتى تنكسر سطوة العادة ويُستبدل بها جو من السكينة والوقار.

فلنُعِد لمناسبة الموت احترامها ومهابتها ودروسها، ولنحوّل هذه التكاليف إلى صدقات جارية وأعمال بر ودعم للفقراء والأيتام. عندها فقط يصبح الموت فرصة للتأمل والرجوع الى الله والتسليم بقدره والعزاء رحمة وتسلية لنفوس اهل الفقيد ومواساتهم والتخفيف من مصابهم، لا استنزافاً لمواردهم وإرهاقهم بدنيا ونفسيا.

فهل من يعلق الجرس ويوقف دوران هذه العادة التي تخالف الشرع والمنطق السليم؟