نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أصنام الجاهات… حين تتحول الخطبة إلى مسرحية اجتماعية - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 05:45 مساءً
من أسوأ ما ابتُلي به مجتمعنا أن صارت "الجاهة” مقياسًا للوجاهة الاجتماعية، وكأن الزواج لا يكتمل إلا إذا جلس أشخاص في صدر المجلس ليتلو أحدهم عبارات محفوظة، كان قد تمرّن عليها مرارًا وهو جالس أمام التلفاز وزوجته تستمع إليه وكأنه يستعد لامتحان في بحور الشعر:
"من أجل أن يقول جئنا نطلب كريمتكم لابننا”، فيرد الآخر: "على بركة الله، اشربوا قهوتكم طلبكم مجاب ”.
كلمات تُصاغ كقصيدة منمقة، يكررها الخطباء في كل جاهة، يبحثون عن السجع أكثر من بحثهم عن الصدق، حتى وإن تعثر بعضهم في قراءة آية قرآنية أو بتر نصفها.
فأي قيمة لمثل هذا المشهد؟ وهل أصبحت هذه الطقوس الباهتة وسيلة لإثبات المكانة، وكأن من يترأس جاهة قد فتح الأندلس أو يمهّد لتحرير القدس؟!
لقد تحولت الجاهات إلى مسرحيات اجتماعية جوفاء؛ يجتمع فيها الناس للتصفيق والتصوير أكثر من اجتماعهم لتيسير الزواج وتخفيف أعبائه. كثير منّا كان يظنها تقليدًا محمودًا، ثم اكتشف أنها استنزاف للمال والوقت، وتكاليفها أولى أن تُصرف على بناء بيت العروسين أو تجهيز مستقبلهما، بدلًا من مصاريف الخطوبة والولائم والصالات والاستعراضات التي لا داعي لها.
وأذكر هنا قولًا صريحًا لأحد زعماء الأردن المعروفين بمكانتهم السياسية والاجتماعية، رجل إذا تحدث ملأ حضوره المجلس، وكل من يعرفه يتمنى أن يرأس جاهته، فهو كبير بالمعنى الحقيقي. نسأل الله أن يمتّعه بالصحة وطول العمر، اللهم آمين. قال ذات يوم في إحدى الجاهات ومن باب المزاح – وكنت لجانبه وقتها – وقالها بالعامية رغم أنه أبو اللغة:
"احنا جاين شهود زور… العريس والعروس وأهلهم متفقين، وقارين الفاتحة، وكاتبين الكتاب، ونحن نذهب لنتشرف بخطبة ابنتهم المصون”.
كلمة صادقة عرّت زيف المشهد كله، وأثبتت أن الخداع الاجتماعي لا يغيّر من حقيقة الزواج شيئًا.
الشريعة واضحة، والسنة ناصعة: إشهار الزواج حق، لكنه لا يحتاج إلى جموع غفيرة ولا أصنام تُنصّب فوق مقام الآباء. يكفي أن يذهب والد العريس أو وليّه مع نفر قليل من أهله، فيطلب يد ابنة فلان، فيرد والدها بالقبول. فأي مقام أرفع وأكرم من مقام الوالد؟! وأي وجاهة أسمى من أن يؤدي الأب دوره الطبيعي دون وسطاء مصطنعين؟
إن ما نراه اليوم ليس سوى حضارة زائفة قائمة على المباهاة والتكلّف. الولائم الباذخة، والحشود الضخمة، والنفقات الطائلة ليست من الدين ولا من المروءة، وإنما هي أعباء تثقل كاهل الناس وتزيد الزواج تعقيدًا. والأسوأ من ذلك أن بعض من يترأسون الجاهات يتوهّمون لأنفسهم مكانة تفوق حقيقتهم – مع احترامي لأشخاصهم – بينما العجز يلازمهم في أبسط مواقف نصرة المظلوم أو خدمة الفقير. او الاخذ بيد شاب ليبحث له عن فرصة عمل
فلنكفّ عن صناعة الأصنام من العادات البالية. ولنعد إلى البساطة التي تحفظ الكرامة، وتخفف الأعباء، وتعيد للزواج روحه الحقيقية. إن رفع الناس فوق رؤوس آبائنا جريمة اجتماعية، وإن تضخيم الجاهات وهم كبير لا يليق بأمة تبحث عن نهضتها. مع أني شخصيًا كنت من المؤيدين لمثل هذه الجاهات، لكن بعد وضوح الرؤيا أجدها مضيعة للوقت وهدرًا للمال الذي يسعى إليه العريس ليل نهار حتى يتمكن من جمعه بالتعب والجهد.
آن لنا أن نعيد الزواج إلى طبيعته الأولى: فرح صادق، وإشهار بسيط، ووفاء لسنّة النبي، بعيدًا عن الاستعراضات التي لا تزيد المجتمع إلا إنهاكًا، ولا تمنح من يتصدرها إلا زعامة من ورق
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : أصنام الجاهات… حين تتحول الخطبة إلى مسرحية اجتماعية - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 05:45 مساءً
0 تعليق