نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نزع سلاح "حزب الله" يتطلب تعاوناً إسرائيلياً وزيادة الدعم للجيش اللبناني - هرم مصر, اليوم الخميس 11 سبتمبر 2025 05:45 صباحاً
هرم مصر - في 5 آب/أغسطس، عقد مجلس الوزراء اللبناني اجتماعاً لمناقشة القضية المصيرية المتمثلة في نزع سلاح "حزب الله"، حيث وافق الوزراء على "أهداف" مقترح أميركي طرحه سابقاً المبعوث الخاص للشرق الأوسط توم براك، يقضي بـ"ضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة فقط".
جندي من قوات اليونيفيل قرب ذخائر صودرت من “حزب الله”. (أ ف ب)
كان القرار تاريخياً بكل معنى الكلمة. ولما كان ليتحقق لولا أن إسرائيل ألحقت أضراراً جسيمة بـ"حزب الله" في حربها الأخيرة، ولولا انهيار النظام السوري، الداعم السياسي والعسكري الأساسي للحزب، في أواخر 2024. لكن ها نحن اليوم أمام فرصة مصيرية للبنان كي يستعيد استقلاله ويبني دولته من جديد. وأكد الرئيس جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام أنه لا رجعة عن هذا المشروع، رغم معارضة "حزب الله" لقرار الحكومة وتهديده باستخدام القوة (وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى سجل الحزب الطويل في الترهيب السياسي وممارسة العنف ضد اللبنانيين).
السؤال الذي يستأثر بالنقاش العام في لبنان، هو: كيف سيتمكن الجيش اللبناني من نزع سلاح "حزب الله" والفصائل الفلسطينية المسلحة في البلاد؟ وهل يملك ما يكفي من الدعم السياسي والإمكانات العسكرية لتحقيق هذه المهمة؟
بحثاً عن إجابة، التقيت قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل خلال زيارتي الأخيرة إلى لبنان. اجتمعنا لساعات في مكتبه في اليرزة، وتحدثنا بالتفصيل عن استراتيجيته العسكرية ومخاوفه.
وجدت أن استراتيجيته حكيمة من الناحية الاستراتيجية، متماسكة تكتيكياً، وواعية لمحدودية الموارد. بعبارة أخرى، هي واقعية وبراغماتية إلى أقصى الحدود بالنظر إلى الإمكانات المتاحة له.
قد يراها البعض، من غير المطلعين أو من المنحازين سياسياً، غير جدية أو غير هجومية بما يكفي لأنها لا تتضمن جدولاً زمنياً واضحاً ونهائياً. لكن الواقع مختلف تماماً.
ابتكر هيكل مصفوفة (matrix) استراتيجية قسّمها إلى ثلاثة سيناريوهات رئيسية، مع مخطط تنفيذ وجدول زمني لكل منها. الأول يفترض عدم التعاون بل وحتى المقاومة النشطة من "حزب الله"، ما قد يقود إلى مواجهة مسلحة. كما يفترض استمرار إسرائيل في هجماتها واحتلالها للتلال الخمس في الجنوب.
السيناريو الثاني يستند إلى النموذج الحالي، كما حصل مع تفكيك الجيش اللبناني للبنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله" جنوب نهر الليطاني، حيث يغض الحزب الطرف عن تحركات الجيش ولا يعرقلها. في هذا السيناريو، قد تتعاون إسرائيل جزئياً أو لا تتعاون إطلاقاً.
أما السيناريو الثالث فيتصور تعاون "حزب الله" نفسه، مع تحوله إلى حزب سياسي طبيعي بلا سلاح. وهنا ستقابل إسرائيل ذلك بتعاون كامل.
لكن معظم اللبنانيين لا يعتقدون أن السيناريو الثالث واقعي، إذ يرى "حزب الله" أن التخلي عن السلاح يعني انتحاراً سياسياً. فهو يدرك أنه بلا سلاح لا يستطيع المنافسة في الانتخابات المحلية أو النيابية. وقد ربط الحزب عبر السنوات بين سلاحه وبين هويته ومصير الطائفة الشيعية اللبنانية.
الجميع في لبنان يخشى السيناريو الأول، وسيبذل القادة اللبنانيون وهيكل كل ما في وسعهم لتفاديه. لكن بالنسبة لـ"حزب الله"، فإن مواجهة الجيش اللبناني ليست بلا كلفة. فالمسألة لا تتعلق فقط بالخسائر التي يمكن أن يوقعها الجيش في صفوفه، علماً أن الجيش بات يمتلك قدرات أفضل نتيجة سنوات من الدعم العسكري الأميركي، بل أيضاً بكون الحزب سيضع نفسه في مواجهة غالبية المجتمع اللبناني الذي يدعم الجيش والحكومة الجديدة، ما يعني عزلة تامة وخروجاً من الحكم يضعفه أكثر.
يبقى السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحاً، لكنه لن يكون فعالاً إلا إذا توافرت موارد إضافية للجيش. حتى في السيناريو المثالي حيث يتعاون "حزب الله"، يحتاج الجيش اللبناني ما بين 12 و 16 شهراً لتفكيك البنية التحتية للحزب ومصادرة أسلحة الفصائل الفلسطينية، بما فيها "حماس" والجماعات المتشددة في المخيمات (التي رفضت جميعها التعاون).
وهنا، يتضح أن استراتيجية هيكل لا تحتاج فقط إلى دعم سياسي، بل إلى زيادة ملحوظة في المساعدات العسكرية الأميركية. فالبرنامج المعتاد للدعم الأميركي للبنان، الذي ساهمت في الإشراف عليه حين كنت في البنتاغون خلال إدارة ترامب الأولى، لم يعد كافياً. الجيش لم يسبق له أن دافع عن حدوده الجنوبية والشمالية في الوقت نفسه، مع الحفاظ على السلم الأهلي.
الجيش مطالب ليس فقط بنزع سلاح كل هذه الجهات، بل أيضاً بتأمين الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، حيث خطر تسلل الجماعات الجهادية قائم جداً كما حصل قبل سنوات حين تمدد تنظيم "داعش" في المنطقة. في الواقع، أشار هيكل إلى أن هناك إجماعاً داخل مؤسسته على أن خطر التطرف الإسلامي القادم من سوريا لا يقل خطورة عن أي تهديد آخر.
ومؤخراً، التقى العماد هيكل مع قائد القيادة المركزية الأميركية الجديد الأدميرال برادلي كوبر، ترافقه نائبة المبعوث الخاص مورغان أورتاغوس، لمراجعة استراتيجية الجيش واحتياجاته. والأمل معقود على أن ينقل كوبر، صاحب الخبرة الواسعة في الشرق الأوسط، ما يلزم فعله إلى رؤسائه في البنتاغون لتعزيز دعم الجيش في مهمته الصعبة.
تتصدر قائمة احتياجات الجيش زيادة التمويل لنشر مزيد من القوات على الحدود، وتوفير أنظمة استخبارات وتحليل بيانات تشمل الطائرات المسيّرة والقدرات القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عربات تكتيكية واستطلاعية، ومروحيات.
كلما امتلك هيكل قوة أكثر جاهزية، ازدادت ثقة اللبنانيين، وكذلك الولايات المتحدة، بقدرة الجيش على تنفيذ مهمته، وازدادت الضغوط التي يمكن أن يمارسها على "حزب الله".
ورغم كل التعقيدات السياسية والتداعيات الطائفية لقضية نزع سلاح "حزب الله"، يبقى مركز الثقل في هذه القضية هو الجيش اللبناني. فإذا لم يكن قادراً عملياً على تنفيذ المهمة، يصبح القرار التاريخي للحكومة بلا جدوى.
لكن زيادة المساعدات الأميركية للجيش ليست سوى جزء من الحل. الجزء الآخر هو التعاون الإسرائيلي، الذي يجب أن تصر عليه واشنطن. من دونه، تصبح مهمة هيكل أصعب بعشر مرات. فحجج "حزب الله للاحتفاظ بسلاحه زائفة وغير شرعية، لكن كلما استمرت إسرائيل في عرقلة خطة توم براك، قلّ تقبّل شيعة لبنان لفكرة نزع سلاح الحزب. ففي النهاية، هذه معركة "كسب القلوب والعقول" أكثر منها مواجهة عسكرية مباشرة مع "حزب الله".
بلال ي. صعب هو المدير التنفيذي الأول لـ TRENDS US وزميل مشارك في تشاتهام هاوس.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق