زيارة روسية إلى سوريا الجديدة: بين تثبيت القواعد وجس النبض السياسي - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زيارة روسية إلى سوريا الجديدة: بين تثبيت القواعد وجس النبض السياسي - هرم مصر, اليوم الخميس 11 سبتمبر 2025 05:45 صباحاً

هرم مصر - في لحظة سياسية تتقاطع فيها الحسابات الإقليمية والدولية، جاءت زيارة الوفد الروسي الرفيع إلى دمشق محطةً مفصلية في إعادة رسم العلاقة بين موسكو وسوريا الجديدة، بعد سقوط نظام الأسد، ولجوء رموزه إلى روسيا. 

منذ ذلك التحوّل، ظلّت العلاقة محاطة بالشكوك: قواعد عسكرية قائمة في حميميم وطرطوس، وعقود اقتصادية معلّقة، وصفقة دولية غامضة أنهت حكم الأسد من دون إعلان رسمي... ما يطرح أسئلة بشأن حدود التفاهم الممكن بين إدارة تسعى إلى تثبيت شرعيتها والانفتاح على الغرب والعرب، وقوة كبرى تواجه عزلة دولية، وتبحث عن موطئ قدم دائم في الشرق الأوسط.

تشكيلة الوفد الروسي، برئاسة نائب رئيس الحكومة ألكسندر نوفاك وعضوية نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين ووزير الإسكان، عكست الجدّية في تأسيس مسار متين للعلاقة مع الإدارة الجديدة. حضرت موسكو بملفات متوازية: السياسة، الدفاع، الاقتصاد، الطاقة، لتؤكد أنها لا تريد الاكتفاء بالوجود العسكري، بل تسعى إلى إعادة التموضع بصفتها شريكاً كاملاً في المرحلة الانتقالية. تجاوزت اللقاءات في قصري تشرين والشعب الشعارات المعتادة لتتناول قضايا إعادة الإعمار، والتعاون العسكري، والتحضير لزيارة مرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

 

جانب من مباحثات الوفد الروسي إلى دمشق بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (سانا)

 

ورغم نبرة الانفتاح، تبقى العلاقة تحمل طابعاً استكشافياً. فموسكو حريصة على ضمان قواعدها واستثماراتها، فيما تستخدم دمشق الورقة الروسية لموازنة الضغط الغربي والتلويح ببدائل إقليمية وعربية. لم تعد العلاقة تحالفاً كما في زمن الأسد، بل محاولة لشراكة مشروطة ومتجددة، تحكمها المصالح من جهة والذاكرة الثقيلة من جهة أخرى.

فالداخل السوري لا ينسى دور المقاتلات الروسية في مآسي المدن، ولا يغفل أن موسكو وفّرت ملاذاً للأسد وضباطه. تجعل هذه الذاكرة أي تقارب مع موسكو بحاجة إلى صياغة مختلفة، تُقدَّم فيها العلاقة "شراكة استراتيجية جديدة"، وليس كتحالف قديم. ويدرك الشرع أن أي انفتاح على موسكو يجب أن يراعي حساسية النخب والبيئات الاجتماعية والفصائل التي انضمت حديثاً إلى الجيش، والتي تطالب بالعدالة الانتقالية، وعدم إعادة تدوير رموز النظام السابق.

إقليمياً، تتشابك الخيوط أكثر. في الشرق، تحتفظ روسيا بقاعدة في القامشلي وعلاقات مع "قسد"، ما يجعلها ورقة ضغط إضافية في مفاوضات مستقبل المنطقة، رغم تراجع نفوذها لصالح واشنطن. في الجنوب، برزت مفارقة لافتة: أبدت إسرائيل انفتاحاً على استمرار الدور الروسي باعتباره يوازن النفوذ التركي، ويمنع فراغاً قد تستفيد منه إيران. هذا التلاقي بين الحاجة السورية للدعم الروسي والرغبة الإسرائيلية في بقائه يمنح العلاقة بعداً براغماتياً يصعب إنكاره.

 

مسؤولون سوريون حاضرون في اجتماع الشرع مع الوفد الروسي الذي زار سوريا (سانا)

مسؤولون سوريون حاضرون في اجتماع الشرع مع الوفد الروسي الذي زار سوريا (سانا)

 

أما دوافع الشرع للتقارب مع موسكو، فتتجاوز الحسابات الإقليمية. فهناك حاجة الى صوت روسيا في مجلس الأمن لرفع التصنيف الإرهابي عنه وعن جماعته، وملف الديون الروسية الذي قد يتحول إلى ورقة تفاوض، فضلاً عن رغبة دمشق في إعادة تعريف العلاقة كشراكة متوازنة تمنحها هامش مناورة بين الشرق والغرب.

دولياً، تبدو أوروبا متمسكة بشرط خروج القوات الروسية لدعم العملية الانتقالية، بينما تتعامل واشنطن ببراغماتية أكبر إذا ساهم الدور الروسي في ضبط الحدود وكبح النفوذ الإيراني. أما الخليج فيتعامل وفق منطق المصالح، بحيث يمكن الاستثمارات في الموانئ والطاقة أن تتعايش مع النفوذ الروسي، بل ربما تولّد منافسة تخدم دمشق في تحسين شروطها. كما أن تطورات الحرب في أوكرانيا وصراعات شرق المتوسط تضع موسكو تحت ضغوط تجعلها أكثر حاجة لشراكات إقليمية مرنة.

في الخلاصة، لم تكن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق بروتوكولاً عابراً، بل اختباراً أولياً لمسار جديد. فموسكو تبحث عن تثبيت وجودها العسكري والسياسي والاقتصادي، ودمشق تبحث عن مظلة إضافية في مواجهة الضغوط الدولية. وإذا تكللت زيارة الشرع المرتقبة إلى موسكو بنتائج ملموسة، فقد يتحول "جس النبض" إلى شراكة استراتيجية تُعيد تعريف العلاقة بين الطرفين في حقبة ما بعد الأسد، بين سيناريو نجاح يفتح باب الشراكة المتوازنة، وسيناريو متعثر يُعيد العلاقة إلى حدودها الدنيا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق