نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"إلا جدّتك، كانت تغنّي" للفرح وتمنح أصواتاً للجسد - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 08:49 مساءً
هرم مصر - "إلا جدّتُك، كانت تغنّي"، قبل قراءة الرواية لا بدّ من التوقف للحظات طويلة عند العنوان، فقد يجعلك تشعر بأنه اتهام للجدة. تقول الحاضرات للكاتبة صالحة عبيد أثناء مناقشة روايتها الأخيرة في مركز بحر الثقافة في أبوظبي: "لدينا الفضول لمعرفة ماذا تقصدين". يتحدّثن عن الجدات التقليديات اللواتي يعرفنهن. كنّ يعملن في الخياطة، يصلّين، وفي معظم الأحيان يطبخن لأحفادهن. أما الجدة في هذه الرواية فهي الخارجة عن المألوف، الجدّة التي امتهنت الغناء في وقت لم تكن فيه المهنة "مقبولة" بالنسبة إلى الرجال في الإمارات ومناطق شبه الجزيرة العربية، فكيف بالنساء!
تتناول الرواية حقبة السبعينيات وحتى الألفية عبر شخصيات من ثلاثة أجيال مختلفة وعلاقتهم الوثيقة والمربكة أحياناً بالأصوات. فبداية مع عالم "الطقاقات"، وهن مغنّيات الأفراح والمناسبات في دول الخليج العربي، اللواتي يشتهرن بإحياء حفلات الزواج والأعراس بتقديم الأغاني والفقرات الغنائية التقليدية. تقول الكاتبة في حديث لـ"النهار" إنها تشوقت للكتابة عن هؤلاء النساء اللواتي كنا نتفاعل معهن في الأفراح، لكن لا نقبلهن في الواقع، أو على الأقلّ يبقين مجهولات بالنسبة إلى المجتمع: "حتى عندما أردت البحث في الوثائق التاريخية عن تاريخ الغناء في الإمارات، لم تكن هناك معلومات كافية عن هؤلاء المغنيات، رغم أنه فنّ تقليدي إماراتي كان منتشراً بكثرة في أفراحنا، ورغم أنني اكتشفت للمفارقة أن إحدى أوائل الأسطوانات الإماراتية سجّلتها فتاة من الشارقة، كانت تعتمد اسماً مستعاراً هو "الفتاة الشارقية"، كما أن المغنية موزة سعيد هي أول فنانة إماراتية كانت تسجّل أسطواناتها في البحرين، واشتهرت في فترة السبعينيات والثمانينيات، ويقال إنها تزوجت وزوجها سمح لها بالغناء".
غلاف رواية “إلا جدّتُك، كانت تغنّي“. (دار المتوسط)
الرواية تأخذنا إلى عالم الأصوات بعيداً عن الغناء فقط؛ فمروان بن هاشم، أحد الشخصيات الرئيسية، هو شخصية حقيقية بحسب ما أكّدت الكاتبة. وهو شاب إماراتي عاش في الفترة ما بين عامي 1974 إلى عام 2002، كان يعمل في البحر مفتوناً بأصواته، وهي مهنة لم تكن أيضاً تقليدية في ذلك الوقت، إلى جانب اهتمامه الشديد بالرسم وآلة العود التي كان يعزف عليها بين حين وآخر، حتى أنه استخدم ريشته لرسم الموسيقى.
تسأل إحدى الحاضرات الكاتبة خلال المناقشة عمّا إذا كان الكتاب مشروعاً توثيقياً لتلك الحقبة في الإمارات، إذ يتناول العلاقات الاجتماعية بين الأسر إلى جانب التطرق إلى أنواع الغناء والموسيقى المختلفة. وتحدّثت عن صوت العود والبحر: "لكلّ نهمة معنى، فأولها اليامال نداء الوداع واستجلاب العودة مهما طال السفر، وهناك أيضاً الخطفة متى ارتفع الشراع وامتزج بالريح، فتمتزج النهمة بهما لتسمّى باسم الريح التي حركت الشراع...."، وصوت الدفوف وصوت الأمكنة كمكة المكرمة عندما ذهب لها مروان وفتن بتناغم الأصوات فيها. وتطرّقت كذلك للحديث عن "الزار"، الذي قلّ الحديث عنه في الكتب ولم يعد موجوداً بكثرة في وقتنا هذا.
وعمّا إذا كانت تعتبر روايتها عملاً بحثياً، قالت الكاتبة لـ "النهار" إنها مرّت بمراحل عدة قبل كتابة هذه الرواية التي تتضمن جانباً مرتبطاً بالمصادر التي اطّلعت عليها بشأن الموسيقى في تلك الحقبة، وكذلك في ما يتعلق بتاريخ الأغنية الشعبية في الإمارات، إلى جانب اللقاءات والمشي على الأقدام، إلى السفر إذ ذهبت إلى بيت الموسيقى وهو متحف لا يزال موجوداً في جدّة كي تتعمق أكثر في موضوعات كتابها.
لا يتحدّث الكتاب عن الموسيقى فقط بل كذلك عن علاقة الشخصيات بالجسد. وفي هذا السياق، تعلّق عبيد بأن "علاقتنا مع أجسادنا لطالما كانت مرتبكة في العالم العربي، كما أنّ حريّة الجسد مسلوبة لدينا، خصوصاً في دول الخليج". ولعلّ أبرز تجسيد لهذه العلاقة كان شاهين، المولود في أسرة تمهتن نساؤها الغناء، وهو حفيد عديجة، "الجدة التي كانت تغني"، والتي قاومت عذابات السبيّ التي ورثتها عن أجدادها بالغناء، وهي الوعاء الذي احتواه خلال رحلة اكتشاف علاقته بالفن والجسد، إذ اختار أن يتحدّى القوالب التقليدية، رغم أن والدته زليخة حاولت مراراً وتكراراً أن تبتر هذه السلسلة.
تقصّدت الكاتبة أن تظهر شاهين طوال الرواية "صوتاً بلا جسد"، بحسب ما شرحت لـ"النهار"؛ فالجسد كان لعنته شاهين، بقي خلال الرواية محاولاً البحث عن الجسد الغائب بحكم أن المجتمع قيّده.
هل تعتبر الرواية كسراً للتابو؟ تجاوب عبيد بأنها مجرد محاولة للإجابة عن الأسئلة المتعلّقة بالموسيقى: "حتى الآن لا يزال هناك تحفّظ حول الغناء، خاصة لدى النساء. وبالتالي، فقد يستطيع القارئ التفكير مع الكاتبة حول سؤال عن "تحريم الموسيقى"، متى أصبحت الموسيقى جزءاً من الممنوع، رغم أنها جزء من التناغم الكوني للحياة، ورغم أن الموسيقى كان لها دور في رسم نمط اجتماعي معين في الإمارات في تلك الحقبة؛ الأمر الذي يعكس تناقضاً صريحاً بين ما جُبلت عليه الروح من أنسٍ بالنغم، وبين المكانة الاجتماعية الوضيعة التي يُدرج ضمنها من يمارس الغناء".
وختمت قائلة: "قد تكون الموسيقى في العمل هي جدتنا جميعاً".
0 تعليق