نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من الإمارات إلى فرنسا... ندوة دولية في اليونسكو احتفاءً بمئوية الشاعر سلطان العويس - هرم مصر, اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 08:16 مساءً
هرم مصر - في قلب باريس، وتحت رعاية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، انعقدت الندوة الدولية "سلطان العويس... رحلة الشعر... رحلة العطاء"، في مقر اليونسكو، كتحية تليق بمئوية شاعرٍ جعل من الكلمة وطناً ومن العطاء رسالة خلّدت ذكراه.
المناسبة لحظة استدعاء لذاكرة شاعر حمل هموم الناس وصاغها بصدق، وامتزج شعره بالعطاء حتى غدا إرثاً يتجاوز الحدود. فالعويس، الذي وُلد في الحيرة عام 1925 وسط بيئة بحرية وتجارية، تعلّم من اللؤلؤ قيم الصبر والدقة، ومن التجارة روح المثابرة، لينسج من هذه القيم قصائد صافية كالموج، كريمة كاليد التي تعطي بلا حدود.
حفظ الذاكرة وبناء الجسور
في كلماتها، استحضرت وزيرة الثقافة نورة الكعبي صورة العويس الذي جمع بين شاعرية راسخة وعطاء إنساني ممتد، مؤكدة أنّ إرثه الثقافي والخيري يظل نبراساً للأجيال، وأنّ "جائزة سلطان العويس الثقافية" التي انطلقت عام 1987 ما هي إلا امتداد لرؤيته في جعل الثقافة ركيزة للهوية العربية ووسيلة للتقدّم.
نورة الكعبي وفهد الرقباني وعلي الحاج آل علي وسليمان موسى الجاسم وعبد الحميد أحمد.
أما ممثلو اليونسكو، فذكّروا بأن الشعر لا يُقاس فقط بوزن القوافي، بل بقدرته على حفظ الذاكرة وبناء جسور بين الشعوب. ورأوا في إرث العويس انعكاساً للقيم التي تؤمن بها المنظمة: التضامن، الإبداع، وحوار الثقافات.
وتوالت المداخلات لتؤكد أنّ قوة الأمم ليست في ثرواتها المادية، بل في ذاكرتها الفكرية وما تتركه من بصمات في المسيرة الإنسانية. هكذا تحوّل العويس من شاعرٍ فرد إلى مؤسسة تحمل اسمه، ومن قصيدة إلى مشروع ثقافي يفتح الآفاق للأجيال.
وعلى هامش الندوة، أُقيم معرض فني بعنوان "كلمات تهوى الجمال" ضمّ لوحات وصوراً لفنانين عرب وأجانب، إضافة إلى ترجمات جديدة لشعر العويس إلى الفرنسية والإنكليزية، وإصدارات توثّق سيرته ومسيرته.
حضر الندوة سفير الدولة لدى فرنسا فهد سعيد الرقباني، ومساعد المديرة العامة لقطاع الثقافة في منظمة اليونسكو إرنستو أتون راميريز، ونائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية الدكتور سليمان موسى الجاسم، والمندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى اليونسكو رئيس المجموعة العربية علي الحاج آل علي، والأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد، وعدد من رؤساء الوفود الدولية الدائمة لدى اليونسكو ونخبة من المفكرين والأدباء والشخصيات العامة والإعلاميين.
"عبقرية التراث وروح العصرنة"
وذكّرت وزيرة الثقافة نورة الكعبي بأنّ "إبداع العويس لم يقتصر على صياغة القصائد، بل تجاوزها إلى التعبير بصدق وأصالة عن تطلعات وآمال إخوانه وأخواته المواطنين، جامعاً في شعره بين عبقرية التراث وروح العصرنة". وأشارت كذلك إلى أنّ "عطاءه لم يتوقف عند حدود الإبداع الأدبي، بل امتد ليشمل العمل الخيري، حيث استثمر في ركائز المستقبل: التعليم، والمؤسسات الثقافية، والجوائز التشجيعية، ضامناً بذلك تقدير ودعم الأجيال القادمة من المبدعين العرب في شتى المجالات".

وزيرة الثقافة نورة الكعبي.
لعلّ أبرز تجليات إرث العويس هو الجائزة التي أُطلقت عام 1987، لتشهد بأنّ الثقافة هي جوهر التقدم وصمام الأمان للهوية الإماراتية والعربي، ولتكون منارة سنوية لتكريم رواد الفكر والأدب والعلوم في العالم العربي، في مجالات الشعر، والسرد، والمسرح، والنقد، والدراسات الإنسانية، والمستقبلية.
من جانبه، أكّد مساعد المديرة العامة لقطاع الثقافة في منظمة اليونسكو إرنستو أتون راميريز أنّ "العويس لم يكن شاعراً ذا حساسية عميقة فحسب، بل كان أيضاً كاتباً وخيّراً وسفيراً ثقافياً"، مشيراً إلى أنّ "صدى حياته وأعماله يتردّد بعمق، إذ يجسّد قيم الإبداع والإنسانية والتضامن التي تشكل جوهر رسالة اليونسكو".
واعتبر أنّ الذكرى المئوية للشاعر ليست مجرد تكريم لفرد استثنائي، بل تذكير بالدور العالمي للأدب والفنون في تشكيل المجتمعات، مؤكّداً أنّ "الثقافة قوة تغذي الحوار، وتعزز التماسك الاجتماعي، وتلهم الصمود في مواجهة التحديات العالمية".
إرث فكري
بدوره، رأى رئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية الدكتور سليمان موسى الجاسم أنّ "هذا الحدث يرسم صورة حضارية أخرى من الصور المشرقة لدولة الإمارات العربية المتحدة متمثلة بشاعرها الراحل سلطان بن علي العويس"، مذكّراً بأنّ "اليونسكو آمنت بأنّ الثقافة هي الطريق الأقصر إلى السلام، وأنّ الهوية الإنسانية لا تكتمل إلا حين تُحفظ الذاكرة الإبداعية للشعوب".
وأضاف: "لقد أدرك العويس مبكراً أن قوة الأمم لا تُقاس بما تملك من ثروات ومبانٍ شاهقة، بل بما تحفظه من إرث فكري، وبما تضيفه من أسئلة وأحلام إلى المسيرة الإنسانية".

خلال جولة في المعرض.
من جهته، اعتبر المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى اليونسكو علي الحاج علي آل علي أنّ "مسيرة العويس تذكرّنا بأنّ الشعر والكرم ليسا مجرد صفتين منفصلتين، بل هما وجهان مشرقان لقيمة إنسانية سامية، وجانبان متلازمان في الروح: جانب يبدع، وجانب يمنح".
وأكّد أنّ "هذا الاحتفال هو وقفة للتأمل في دور المبدعين اليوم. ففي عصر التحول الرقمي والتواصل العالمي المتسارع، يظل الشعر نافذةً على ما قد تفقده السرعةُ: إيقاع المشاعر، وعمق الكلمة، وتأثير الصور والرموز في النفس. فبقصيدةٍ قصيرةٍ قد نعبر عما يعجز الوصف عنه، ونكسر الروتين الفكري، ونجدد الإحساس بالإنسان في زمن الخوارزميات. تبقى الثقافةُ ركيزةً لصنع المعنى وإثرائه، ومن هنا يأتي دور المبدعين الأساسي. إنهم يذكروننا بأن التنوع الثقافي ليس تحديًا يجب تجاوزه، بل ثروةٌ يجب الحفاظ عليها وتقديرها. فأصواتهم توقظ فينا إنسانيتنا وقيمنا المشتركة".
وأضاف: "أدركت اليونسكو هذه الرؤية مبكرًا. فمن خلال اتفاقية عام 2005 لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، أكدت المنظمة أن لكل ثقافة الحق في أن تحتل مكانتها اللائقة على الخريطة الثقافية العالمية. ومع ذلك، ما زالت بعض الأصوات - بما فيها أصوات عدد من الدول العربية - مغيبةً أو محدودة الحضور في المشهد الثقافي الدولي. وهذه المحدودية لا تُفقد هذه الثقافات جوهرها فحسب، بل تُفقد العالمَ بأكمله ثراءً فكرياً ومنظوراتٍ إبداعيةً هو في أمسّ الحاجة إليها".
وتابع: "تفخر دولة الإمارات العربية المتحدة بمساهمتها الفاعلة في سد هذه الفجوة، من خلال دعم برامج اليونسكو الهادفة إلى حماية التراث، وتعزيز التنوع الثقافي، وتحفيز الصناعات الإبداعية كرافدٍ للازدهار. كما تدعم مبادراتٍ رائدةً مثل "جائزة اليونسكو/الشارقة للثقافة العربية"، التي تُمنح سنوياً لمبدعين أو مؤسسات قدموا إسهاماً استثنائياً في نشر الثقافة العربية وتعزيزها عالمياً. وتسهم هذه الجائزة في التعريف بالثقافة العربية، وبناء جسور الحوار بين الحضارات، وتعزيز التفاهم المشترك".
جلسات على مدى يومين
بدأت وقائع الندوة بعرض فيلم وثائقي عن الشاعر سلطان العويس، فتح نافذة على سيرته ومساره، ثم تعاقبت الجلسات على مدى يومين بمشاركة نخبة من الباحثين والأدباء والشعراء والمستشرقين من مختلف دول العالم. من بينهم باربارا ميخالاك من بولندا، وعلوي الهاشمي من البحرين، وإيزابيلا كاميرا من إيطاليا، وشتيفان فايدنر من ألمانيا، وبطرس حلاق من فرنسا، إلى جانب أسماء بارزة من الإمارات مثل عبد الغفار حسين وفاطمة الصايغ ويوسف الحسن وعبد الحميد أحمد. وفي اليوم الثاني، تنوعت المشاركات بين أصوات عربية وغربية: شوقي عبد الأمير، بنديكت لوتيليه، سليمان الجاسم، عبد الخالق عبد الله، إبراهيم الهاشمي، وسوسن دهنيم، وشوقي بزيع، وكريم معتوق، وحسين درويش، لتتجاور النصوص والرؤى في حوار شعري وفكري واسع.
أما المعرض الفني المرافق للندوة فقد جمع أسماء عديدة من المبدعين، من إحسان الخطيب وأمير فلسفي وتاج السر حسن، وصولاً إلى نجاة مكي ونرجس نور الدين ويوسف الدويك، في فسيفساء تشكيلية عابرة للحدود. كما أضيف إلى الفعالية معرض كتب مصغر قدّم إصدارات المؤسسة، إلى جانب ترجمات جديدة لأشعار سلطان العويس بالفرنسية والإنكليزية حملت عنوان "رماد الحب"، وكتب توثيقية مثل "سلطان بن علي العويس - سيرة وطن وعطاء" لإبراهيم الهاشمي و"الألق الشعري في شعر سلطان العويس" لسمر روحي الفيصل.
ولم يكن اعتماد اليونسكو لعام 2025 عاماً للاحتفال بمئوية العويس إلا اعترافاً بمكانته وبما مثّله من قيمة إنسانية وشعرية. فقد جاءت الفعاليات المصاحبة غنيّة ومتنوعة: معارض تشكيلية، أفلام وثائقية، حفلات موسيقية، إعادة طباعة لأعماله الكاملة، إصدار كتب مصورة وطوابع ومسكوكة تذكارية، وكلها أشكال احتفاء تليق بشاعر صاغ من الكلمة وجداناً ومن العطاء إرثاً.
لقد ترك العويس بصمة لا تُمحى حين أطلق عام 1987 جائزته الثقافية المرموقة، التي منحت عبر العقود تقديرها لكتاب ومفكرين عرب في الشعر والسرد والمسرح والنقد والعلوم الإنسانية. فالجائزة لم تكن مجرد تكريم، بل مشروعاً متواصلاً يحفظ للأدب مكانته في زمن التحولات.
0 تعليق