الاتفاقية الأمنية السعودية – الباكستانية: خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الإقليمي

توازن القوى في المنطقة العربية

لقد عانت منطقتنا العربية والشرق أوسطية، وبالأخص الخليجية، من مشكلة عدم توازن القوى بين الأطراف المتصارعة، مما أثر سلبًا على استقرارها بحكم موقعها الاستراتيجي كأحد أهم مصادر الطاقة في العالم. فقد شهدنا حروبًا وصراعات كل عقد من الزمن، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك غياب ما يعرف بتوازن القوى الإقليمي الذي يساهم في كبح جماح اعتداءات الخصوم والأعداء. حتى اتفاقيات الدفاع العربي المشترك والخليجي لم تنجح في ردع التهديدات، كما يتضح من غزو صدام حسين للكويت عام 1990، والذي حصل دون حملات فعالّة من التحالف الدولي لتحريرها.

عدم الاستقرار في العلاقات الدولية

منذ عهد الرئيس أوباما، شهدت السياسة الأمريكية تراجعًا في انغماسها في الحروب الشرق أوسطية، مع تقليص أهمية المنطقة في سياستها الخارجية. هذا التراجع تزامن مع صعود الصين كقوة دولية تنافس الهيمنة الأمريكية، حيث تميزت بتطوير قدراتها التكنولوجية والعسكرية. لقد برزت قدرات الصين في الصناعات العسكرية وتوسعت في مشروع “الحزام والطريق”، مما يشير إلى تحدٍ كبير للولايات المتحدة في مجال النفوذ العالمي.

التغييرات في سلوك الإدارة الأمريكية، وخاصةً تحت قيادة ترامب، الذي افتقر لاستراتيجية واضحة، أعادت التفكير في العلاقت بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تزايدت المخاوف بين الحلفاء الخليجيين بسبب مواقف الإدارة الأمريكية المتناقضة، مثل الفيتو المستخدم لعرقلة قرار مجلس الأمن بوقف الحرب على غزة، مما أدى إلى تفاقم الشكوك حول التزام واشنطن بأمن المنطقة.

وفي خضم هذه التطورات، برزت أهمية توفير بدائل استراتيجية للتحالفات الحالية، حيث تم توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بين باكستان والسعودية، والتي تعكس رغبة الدول الخليجية في تنويع خياراتها الأمنية. وهذا يدل على أن الحلفاء الخليجيين قد بدأوا التفكير فيما يتجاوز الاعتماد التقليدي على الأمن الأمريكي. إن هذه التحولات قد تساهم في تشكيل نظام أمني أكثر توازنًا في المنطقة، ونحو تعزيز جهود التعاون بين الدول العربية والإسلامية، مما يغير قواعد اللعبة بما يصب في مصلحة الجميع.