أسعار الذهب ترتفع بشكل ملحوظ مع انتشار ثلاث أساطير مثيرة حول تأثير البنوك المركزية على الدولار

  • تكمن المشكلة في هذا الطرح في أنه غالبًا ما يُعيد تقديم مجموعة من “الأساطير” المكررة حول الذهب.

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا هذا العام، وعادة ما يتسارع المستثمرون لتبرير هذا الارتفاع بعبارة “هذه المرة مختلفة”، بشكل مشابه لحالات صعود السوق في أصول مالية أخرى، بينما يربط البعض ارتفاع الأسهم بتقدم الذكاء الاصطناعي، والعملات الرقمية بعملية القضاء على العملات الورقية، وفي منتصف هذه التوجهات، تزايدت الأصوات التي تُطالب بتحديد أسباب رئيسية لارتفاع الذهب، مثل انخفاض قيمة الدولار، وتراجع هيمنته، وزيادة مستويات الديون الحكومية، حيث تناولت وكالة بلومبرغ هذه المخاوف في مقالها، مشيرة إلى أن سوق المال قد يشهد إعادة تقييم طويلة الأمد للأصول، نظرًا لحرص المستثمرين على حماية ثرواتهم من التهديدات الناجمة عن العجز المالي المتزايد، وغالبًا ما يبتعد هؤلاء عن السندات الحكومية خوفًا من فقدان قيمتها، بينما تستمر الحكومات في تجاهل معالجة أعباء ديونها الضخمة بل تزيدها، مما قد يؤدي في النهاية لارتفاع التضخم عبر ضخ المزيد من النقود. لكن، تكمن المشكلة في هذا الطرح في أنه غالبًا ما يُعيد تشكيل مجموعة من “الأساطير” المتداولة حول الذهب.

في هذا المقال، سنناقش أبرز هذه الأساطير معتمدين على تحليل البيانات الحقيقية.

الأساطير الشائعة عن الذهب وأحقيتها

الأسطورة الأولى: تكدس البنوك المركزية الذهب للتخلص من الدولار

تتكرر هذه الأسطورة التي تفيد بأن النظام المالي العالمي ينتقل بسرعة نحو الابتعاد عن الدولار الأمريكي، وأن البنوك المركزية تشتري الذهب كبديل استراتيجي، بينما تتمثل الحقيقة في أن الزيادة في نسبة الذهب من الاحتياطيات الأجنبية تتحدد بارتفاع الأسعار، ولم تزد الكمية الفعلية للذهب التي تحتفظ بها البنوك المركزية سوى بنحو 5% فقط خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما لا يعكس تحولًا كبيرًا. على العكس، استمرت البنوك المركزية في شراء سندات الخزانة الأمريكية بإضافات كبيرة، حيث تجاوزت حيازات المستثمرين الأجانب من هذه السندات حاجز 9 تريليونات دولار، مما يدل على أن الحديث عن “الابتعاد عن الدولار” لا يستند إلى واقع فعلي، بل هو أسلوب إعادة توازن للاحتياطيات يضمن تنويع المخاطر وليس استبدال الدولار. لذلك، لا يزال الدولار هو العملة الاحتياطية الأكثر سيولة واستقرارًا.

الأسطورة الثانية: قرب نهاية الدولار والعملات الورقية

يعتقد البعض أن العملات الورقية على وشك الانهيار، وأن عصر الدولار الأمريكي قد انتهى، لكن هذه الفكرة هي أكثر أيديولوجية منها اقتصادية. الحقيقة أن الدولار لا يزال العملة الأساسية في التجارة العالمية حيث يُستخدم في نحو 80% من المعاملات التجارية، ويشكل ما يقارب 60% من الاحتياطيات الدولية، وهذا يوضح أن الطلب على سندات الخزانة الأمريكية ما زال قويًا، ورأس المال العالمي ما زال يتجه نحو الدولار بجرأة. ومن المهم التفريق بين تراجع القوة الشرائية بفعل التضخم والانهيار الهيكلي للنظام النقدي، حيث نستثمر الدولارات في أصول تحقق عوائد تتجاوز معدل التضخم.

الأسطورة الثالثة: ارتفاع الذهب بسبب الديون والعرض النقدي

يدعي بعض المحللين أن ارتفاع أسعار الذهب ناتج عن المستويات المتزايدة من الديون الأمريكية، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين أسعار الذهب ومعدلات الدين الحكومية، حيث ظلت أسعار الذهب راكدة لفترات طويلة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومن جهة أخرى، تحسنت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، وهذا يشير إلى أن ارتفاع المعروض النقدي لا ينعكس بشكل متكافئ على جميع الأصول. لذا، يجب أن يركز المستثمرون على الأوضاع الاقتصادية ككل، حيث يشير النمو في المعروض النقدي إلى انسجام مع نمو الاقتصاد.

ماذا يعني ذلك للمستثمرين؟

الحقيقة أن الارتفاع الأخير في أسعار الذهب ليس دليلاً على عوامل مالية دائمة، بل هو موجة مضاربة شرهة تطورت من تكرار هذه “الأساطير” لتبرير الزيادة السريعة في الأسعار.

نصائح للمستثمرين في الذهب:

يجب أن ينظر إلى الذهب كأداة تحوط وليس كأصل نمو أساسي، حيث يتأثر الذهب بدورات السوق، لذا يجب مراقبة قوة الدولار واستمرار نمو الاقتصاد، بالإضافة إلى فروق أسعار الفائدة، وعند تراجع التضخم، قد تنخفض الحاجة إلى الذهب كأصل وقائي، بينما تظل السندات الأمريكية هي الملاذ الآمن الأكثر تفضيلًا في أوقات ضعف النمو. النصيحة الأخيرة هي أن تبتعد عن “أساطير الذهب” في استثمارك، واحتفظ به كأداة تحوط لا كأصل للنمو الأساسي، مع ضرورة إدارة حجم استثمارك بحذر.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *