نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من لعب دور الضامن إلى الغائب.. هل تخلت أميركا عن أمن أوروبا؟, اليوم الخميس 24 أبريل 2025 03:26 مساءً
في تحول استراتيجي غير مسبوق، بعثت الولايات المتحدة برسائل قوية تشير إلى تراجع دورها كضامن أمني لأوروبا، في خضم أزمة أوكرانيا المتواصلة منذ عام 2022.
وقد فجّر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث الموقف بإعلانه أن “الولايات المتحدة لم تعد قادرة على أن تكون الضامن الثاني لأمن القارة الأوروبية”، في تصريح أعاد خلط الأوراق داخل حلف الناتو، وأشعل سباق تسلّح محموم في أوروبا.
وبينما كان يُنتظر أن تعزز واشنطن جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب، جاء إلغاء الاجتماع الرباعي المقرر في لندن (كان سيجمع الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا وأوكرانيا) كرد حازم على تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الرافضة للمقترح الأمريكي للسلام، والذي تضمن تنازلات صريحة تصب في مصلحة روسيا.
صفقة ترامب... هل كانت الفرصة الأخيرة؟
بحسب تسريبات صحيفة واشنطن بوست وموقع أكسيوس، فإن المقترح الأميركي الذي قدّمه الرئيس دونالد ترامب يشمل اعترافا أميركيا رسميا بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، وتنازلات أوكرانية تتضمن التخلي عن الانضمام لحلف الناتو، مقابل حزمة من الضمانات الأمنية والمساعدات الاقتصادية.
لكن زيلينسكي رفض العرض، ما أثار غضب ترامب، الذي اعتبر أن "شبه جزيرة القرم خرجت من الحسابات منذ سنوات وليست حتى موضع نقاش".
هذا الموقف القاطع اعتبره مسؤولون أميركيون بمنزلة إغلاق الباب أمام تسوية محتملة.
ولمّح نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى انسحاب كامل من المسار التفاوضي، مشيرا إلى أن "فشل كييف وموسكو في قبول الحل يعني نهاية الجهود الأميركية".
أمريكا تسلّم أوروبا للقدر
في حديثه إلى برنامج التاسعة على "سكاي نيوز عربية"، رأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، الدكتور حسني عبيدي، أن التحول في الموقف الأميركي لا يتعلق فقط بتفاصيل الصراع الأوكراني، بل يعكس توجها أعمق نحو تفكيك الالتزام التاريخي الأميركي بأمن أوروبا.
وقال عبيدي: "ما تعتبره واشنطن نقطة انطلاق للحل، تعتبره أوروبا – ومعها الأمم المتحدة – خطا أحمر. الاعتراف الروسي بالقرم هو تنازل جوهري لا يمكن قبوله لا في البداية ولا في نهاية التفاوض"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تحاول فرض حل نهائي على أنه مدخل لمفاوضات، وهو أمر مرفوض حتى من أقرب حلفائها الأوروبيين.
ويرى عبيدي أن الانسحاب الأميركي يضع أوروبا أمام أمر واقع جديد، لا سيما أن "أميركا تُلمّح صراحة بأن المظلة الأمنية التي وفرتها منذ الحرب العالمية الثانية قد تُرفع في أي لحظة".
أوروبا بين مطرقة التخلي وسندان التسلح
رد الفعل الأوروبي لم يتأخر، فالمخاوف من فراغ استراتيجي تدفع القارة العجوز إلى سباق تسلح غير مسبوق.
ألمانيا عدّلت دستورها لرفع إنفاقها الدفاعي، فيما تدرس فرنسا وبريطانيا آليات تسليح مشترك.
أما بولندا، فطلبت علنا نشر رؤوس نووية فرنسية على أراضيها، في مؤشر على استعدادات لمواجهة "ما بعد واشنطن".
وحول ذلك قال عبيدي: "الاتحاد الأوروبي بُني على أسس تنموية مدنية، لا عسكرية. التحول نحو عسكرة القارة ليس مجرد قرار سياسي، بل انقلاب في هوية المشروع الأوروبي بأسره".
وتابع قائلا: "روسيا ليست في وضع عسكري حاسم، لكنها تُمسك بأوراق ضغط استراتيجية. أي تنازل مبكر من الغرب، كما تطالب واشنطن، سيكون بمثابة انتصار مجاني لبوتين".
النفوذ الروسي.. ليس فقط بالدبابات
تحذيرات عبيدي لم تقتصر على الجبهة العسكرية. فقد أشار إلى نفوذ سياسي روسي متنامٍ داخل دول الاتحاد الأوروبي، من خلال دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتحفيز النزعات القومية عبر ورقة "حماية الأقليات الناطقة بالروسية"، وهي ذريعة سبق استخدامها في الهجوم على أوكرانيا.
وأوضح أن "هناك قلق حقيقي في العواصم الأوروبية من سيناريوهات شبيهة، ليس بغزو مباشر، بل بتدخل سياسي عميق في المجتمعات الأوروبية الهشة، خاصة في أوروبا الشرقية".
من الضامن إلى المراقب... أمريكا تنسحب بخطى ثابتة
التحليل النهائي لما يجري يشي بأن الولايات المتحدة بدأت فعليا عملية "فك ارتباط ناعم" مع القارة الأوروبية. فبدلا من أن تكون واشنطن قوة موازنة للصراع، أصبحت تدفع باتجاه حل متحيّز، ثم تهدد بالانسحاب إن لم يُقبل عرضها "كما هو".
في هذا السياق، يرى عبيدي أن أوروبا باتت مطالبة بإعادة بناء منظومتها الأمنية بعيدا عن واشنطن، وهو تحدٍّ وجودي لقارة لم تتعوّد اتخاذ قراراتها الاستراتيجية بمعزل عن البيت الأبيض.
في قلب العاصفة الأوكرانية، لم يعد السؤال عن مصير الحرب فحسب، بل عن طبيعة النظام الدولي الذي سيولد من رحمها.
فالانسحاب الأميركي من مشهد الضمانات الأمنية لأوروبا لا يمثل مجرد تراجع تكتيكي، بل بداية لتحول استراتيجي يمس جوهر العلاقة عبر الأطلسي.
وبينما تُطرح "صفقات السلام" على طاولة مليئة بالألغام السياسية، تبقى أوروبا أمام تحدٍ وجودي: هل تبني منظومة أمنية مستقلة تعكس مصالحها الحقيقية، أم تظل رهينة لمعادلات تُصاغ خارج حدودها؟
المرحلة المقبلة لن تُقاس فقط بتوازن القوى العسكرية، بل بقدرة القارة العجوز على إنتاج رؤية أمنية وسياسية تتجاوز الارتهان، وتُحصّن المشروع الأوروبي من التآكل الداخلي والاختراق الخارجي، فالحروب قد تُحسم بالسلاح، لكن السلام المستدام لا يُبنى إلا على أساس شراكات متوازنة وضمانات لا تُسحب عند أول منعطف.
0 تعليق