عاجل

حضرة الباشا نشكر سيادتك!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حضرة الباشا نشكر سيادتك!, اليوم الجمعة 18 أبريل 2025 01:56 مساءً

دخل الرجل القاعة، فقيل: "معالي الباشا فلان الفلاني". لم نكن في مشهد سينمائي، ولا في عشاء على شرف مندوب سامٍ. بل في زمننا هذا، في دعوتنا هذه، وفي بلد ظنّ أنه طوى صفحة تلك الرموز منذ عقود طويلة.

 

الدعوة أطلقها الدكتور أسامة الغزالي حرب، وهو رجل نحترمه، وصاحب فكر وطني معروف. وقد اقترح صراحة إعادة استخدام ألقاب قديمة مثل "باشا" و"بيه" في المناسبات العامة، تكريمًا لمن يستحق من الشخصيات الوطنية. لم يكن القصد، في ظني، إحياء الطبقية، بل الإشارة إلى شكل من أشكال التكريم الرمزي. ومع ذلك، فإن الرمز لا يخلو من أثر، ولا النية من تبعات.

 

الألقاب ليست كلمات جميلة ننتقيها من ألبوم الزمن، بل شفرات اجتماعية، وخرائط طبقية، وأحيانًا صدى لأزمنة لم تكن عادلة. "باشا" و"بيه" لم يكونا يومًا زخرفًا لغويًا، بل عنوانًا لمرحلة تُفرّق قبل أن تُكرّم، وتُصنّف قبل أن تُنصف.

 

في بريطانيا، نعم، ما تزال الألقاب قائمة. لكن بريطانيا تحتفظ بها كما تحتفظ بمطرها وضبابها: جزء من تقاليدها، لا من تطلعاتها. أما نحن، فقد هدمنا السلم الطبقي لنقيم جمهورية لا يعلو فيها أحد إلا بجهده، ولا يُقدَّم فيها الناس إلا بما قدّموا.

 

السير مجدي يعقوب لم يُعرف بلقبه قبل أن يعرفه الناس بعطائه. اللقب أتى لاحقًا، بعد أن أنقذ القلوب، وترك أثرًا في الأرواح. أما بعضنا، فيظن أن الألقاب تُنجب العظمة، كأن الشجرة تُثمر من زخرف الاسم.

 

مشكلتنا ليست في نقص الألقاب، بل في غياب المعايير. لا نفتقر إلى الكلمات، بل إلى السياسات التي تُكَرِّم لا تُمجِّد، وتُعلي لا تُزيِّن.

 

الجيل الجديد لا يعرف "الباشا" إلا من أفلام الأبيض والأسود، ويبتسم حين يسمعها، كما نبتسم نحن حين ترد على ألسنة الجدات كلمات مثل "الخواجة و"العزبة".

 

جيلٌ يريد أن يُعامل باحترام دون وسيط لغوي، ويطمح أن يكون "مواطنًا" لا "بيهًا مؤقتًا".

 

أقدّر اجتهاد الدكتور، وأفهم حنينه. فنحن، جيلًا بعد جيل، نفتّش عمّا يربطنا بتاريخ لم نعد نراه إلا في الصور والكتب. لكن الحنين لا يصنع نظامًا، ولا يُرمّم حاضرًا بتعابير ماضية.

 

الأمم لا تُخلّدها الألقاب، بل تُبقيها حية المؤسسات، والقوانين، والمشاريع التي تبني الإنسان قبل أن تحتفي به. فلنستلهم من الماضي معناه، لا مظهره، ولندعه في مكانه: ماثلًا للعبرة، لا عائدًا كعنوان. فليس كل ما له نغمة يصلح لأن يكون نشيدًا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق