الحراثة التقليدية في عسير.. إرث زراعي يتجدد ومحافظة على الأصالة

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحراثة التقليدية في عسير.. إرث زراعي يتجدد ومحافظة على الأصالة, اليوم الخميس 17 أبريل 2025 06:46 مساءً

رغم التطور الكبير في أدوات ومعدات الزراعة الحديثة، ما تزال منطقة عسير تحتفظ بجزء أصيل من تراثها الزراعي العريق، حيث يواصل المزارعون استخدام الأبقار في حرث مزارعهم، مستعينين بالأدوات التقليدية التي تصنع من مكونات الطبيعة التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، في مشهد يجمع بين عبق الماضي وأصالة الحاضر.
DST_2301034_7698090_84_12_2025041717555860

ويحرص مزارعو عسير في مواسم محددة من فصول السنة للمسارعة في تهوية مزارعهم وتقليبها سواء بالآلات الحديثة أو الأدوات التقليدية باستخدام المحراث الخشبي وذلك للمحافظة على جودة تربتها وتهيئتها للموسم الزراعي المقبل، خاصة المدرجات الزراعية التي لا يمكن للآلات الحديثة وصولها، أو لوعورة الطرق المؤدية أو عدم توفر الطرق المناسبة لها.

DST_2301034_7698091_84_12_2025041717555860

عدد من المتخصصين والمزارعين في المنطقة، أفادوا بأن حرث المزارع يتم في أوقات محددة من السنة، ويعتمد المزارعون على أنواء الحرث المتعارف عليها بينهم.

DST_2301034_7698092_84_12_2025041717555860

وأوضح الباحث في علوم التراث والآثار والمهتم بالتقويم الزراعي في منطقة عسير الدكتور عبدالله بن علي آل موسى أن التقسيمات الموسمية مستمدة من حركة النجوم وتغير الطقس، التي يستخدمها المزارعون لتحديد مواعيد الزراعة والحرث، ومنها "نوء الذراعين" المعروف ببداية موسم الزراعة الربيعية، و نوء "الثريا" الذي يُعد موسمًا جيدًا لزراعة الذرة والدخن، ونوء "الهنعة" الذي يعتبر من المواسم المهمة لحرث الأراضي قبل دخول الخريف.

DST_2301034_7698093_84_12_2025041717555860

ويقول المزارع مسفر القحطاني الذي أفنى عمره في حرث مزارعه والعناية بها وما يزال يحرث بعضها باستخدام الأبقار وأدوات الأجداد: "نحن نتابع الأنْواء ونسمع من كبار السن، ونعرف متى نحرث الأرض، ومتى نتركها لترتاح، فالفلك والزراعة في عسير مرتبطان من مئات السنين"، واصفًا آلية استخدام الحرث التقليدي والعناية بالمزارع بأنها تعتمد على الأبقار بشكل كبير وآلة المحراث القديمة، ويضيف: "الزراعة القديمة ليست مجرد طريقة عمل، بل هي أسلوب حياة، نحترم فيه الأرض ونفهم متى تعطينا ومتى ترتاح".

DST_2301034_7698094_84_12_2025041717555860

ويشرح المزارع عبدالكريم الشهري طريقة الحرث بالأبقار، موضحًا أنها تبدأ بالتجهيز من خلال ربط ثورين عبر أداة خشبية تُسمى "النِّير" وهي التي توضع على رقبتي البقر لتثبيتهما معًا، ثم تُشدّ إلى أداة الحرث المعروفة باسم "السِّكّة" وهي عبارة عن قطعة حديدية ذات نصل حاد، تُثبت في مؤخرة محراث خشبي، وتستخدم لشقّ التربة وقلبها.

DST_2301034_7698095_84_12_2025041717555860

ويضيف الشهري أن من الأدوات المستخدمة في الزراعة قديمًا "المحراث" المصنوع غالبًا من خشب السدر أو العرعر، الذي يُثبت فيه نصل الحديد، وكذلك "المدرّة" وهي عبارة عن قطعة خشبية تُمسك باليد لتوجيه السكة أثناء الحرث، أما "الرباع" أو "الضماد" فهي أداة تثبيت البقر بالمحراث وتُستخدم لضبط المسافة بينهما، حيث يربط رأس المحراث بحبل مصنوع في الغالب من الجلد أو من ألياف النخيل، الذي يتصل بالضماد وهي عبارة عن أداة مصنوعة من الخشب توضع فوق رقاب الثيران المستخدمة في سحب المحراث، ولها زنود يبلغ طولها 70 سم يتم إسقاطها من خلال أربعة ثقوب لتُربط من تحت رقبة البقر بواسطة حبل لتثبيتها.

DST_2301034_7698095_84_12_2025041717555860

من جانبه يوضّح المزارع عبدالله عبدالرحمن الأسمري طريقة التعاون بين المزارعين في عملية الحراثة خلال موسم الحرث، مبينًا أنه في العادة يعمل على الزراعة التقليدية فلاحان يعمل الأول منهما على ضغط وموازنة "السنّة " أو ما يسمى بالمحراث في الأرض، والثاني يقوم بنثر البذور بشكل منتظم ويسمى "بالذاري"، وبعد الانتهاء من عملية الحراثة يأتي دور "المكم" أو "المدسم" وهو عبارة عن خشبة عريضة يبلغ طولها مترين تجرها الثيران أو الجمال فوق الأرض المحروثة لمساواتها وتغطية البذور لحمايتها من الطيور والعوامل المناخية القاسية كالرياح والحرارة، مختتمًا حديثه بالقول "التطور مطلوب، ولكن المحافظة على تاريخ الزراعة في عسير مهم، ويجب علينا تعريف الأجيال كيف كانت الزراعة في الزمن الماضي، لأنها لم تكن عملًا فقط، بل كانت حياة أجيال".

DST_2301034_7698096_84_12_2025041717555860
DST_2301034_7698097_84_12_2025041717555860

وتمر عملية الحراثة التقليدية بأربع مراحل بهدف الحصول على محاصيل ذات كميات وفيرة وقيمة غذائية جيدة، فالحرث الأول لتهيئة التربة وقلبها ثم يليه الثاني لزيادة التهيئة وشق التربة بشكل أكبر لدخول الهواء والماء، ثم يأتي الحرث الثالث الذي يسمى بالتوجيه وهو توجيه المزرعة لبذر الحبوب، ثم المرحلة الأخيرة وهي توزيع الحبوب في التربية بشكل مناسب ومتناسق وتغطيتها بـ "المدسم".

DST_2301034_7698098_84_12_2025041717555860
DST_2301034_7698100_84_12_2025041717555860

ورغم توفر المعدات الحديثة، يرى الكثير من المزارعين في عسير أن الحرث التقليدي بالأبقار يترك أثرًا طيبًا على التربة، ويمنحهم قدرة على التحكم في الأرض بطريقة أقرب للطبيعة، كما أن هذه الطريقة تساعد في الحفاظ على خصوبة التربة وتقليل الاعتماد على المحروقات.

DST_2301034_7698099_84_12_2025041717555860

وتظل الحراثة التقليدية في عسير أكثر من مجرد وسيلة لإعداد الأرض، بل هي ارتباط بالهوية، ووفاء لتاريخ الأجداد، واستمرار لمسيرة العطاء بين الإنسان وأرضه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق