صعود الذهب يثير قلق الأسواق العالمية تحليل معمق يكشف الأسباب الخفية وتأثيرها المحتمل على مستقبل الاستثمار والملاذات الآمنة.

نشرت صحيفة “إيكونوميست” تقريرًا مهمًا يسلط الضوء على الارتفاع الكبير في أسعار الذهب، والعوامل الدافعة وراء هذا الصعود الاستثنائي، والمخاطر المحتملة التي قد تواجه المستثمرين الأكثر جرأة عندما تبدأ الأسعار في الانخفاض. وقالت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته “عربي21″، إن الذهب قد سجل مستويات قياسية قبل أن يشهد انخفاضًا طفيفًا ثم يعاود الارتفاع مرة أخرى، ما دفع بعض المحللين إلى توقعات بوصول سعر الأونصة إلى 5,000 دولار خلال السنوات القادمة.

الذهب، الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، يشهد حاليًا اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين حول العالم، مما يؤكد أهميته كأصل استثماري استراتيجي في المحافظ المتنوعة. ويراقب الخبراء عن كثب سوق الذهب لتقديم رؤى قيمة حول كيفية التعامل مع تقلبات الأسعار الحالية والمستقبلية.

ما الذي يدفع أسعار الذهب نحو الصعود؟

أوضحت الصحيفة أن لغة تداول الذهب تشبه لغة البوكر، حيث يمثل “الأيادي القوية” المستثمرين المخلصين للمعدن النفيس بغض النظر عن تقلبات الأسعار، بينما يمثل “الأيادي الضعيفة” المضاربين الذين يميلون إلى الانسحاب عند ظهور أول علامة خطر، ويربح المتفائلون عندما ينجحون في إقناع الآخرين باستمرار صعود الأسعار، ولكن استثماراتهم قد تنهار إذا لم يتمكن السوق من التعافي.

ويبدو أن المتفائلين هم المسيطرون حاليًا، حيث وصل سعر الذهب إلى 4,380 دولارًا للأونصة في 20 أكتوبر، قبل أن يتراجع بأكثر من 10 بالمئة ثم يستعيد جزءًا من خسائره، وأصبح السعر حاليًا أعلى بنسبة 55 بالمئة مقارنة ببداية العام، متجاوزًا الذروة التاريخية المعدلة حسب التضخم التي سجلها عام 1980 بنسبة 47 بالمائة. ويتوقع المحللون أن يتخطى السعر حاجز الـ 5000 دولار بحلول عام 2026، على الرغم من أن التوقعات السابقة لم تتجاوز 4000 دولار في عام 2025.

المخاوف من الأزمات المحتملة

تُرجع الصحيفة هذا الصعود إلى عدة أسباب رئيسية، من بينها المؤسسات الاستثمارية، والبنوك المركزية، والمضاربون، وتشير إلى أن المؤسسات الاستثمارية عادةً ما تلجأ إلى الذهب كملاذ آمن في الأوقات المضطربة، مما يوفر الأمان للمستثمرين الذين يمتلكون محافظ استثمارية كبيرة، ولكن على عكس الارتفاعات السابقة، لم يصاحب هذا الارتفاع ركود اقتصادي، فقد تضاعف سعر الذهب تقريبًا منذ مارس 2024، بالتزامن مع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي بأكثر من 30 بالمائة، مع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية.

وقد يكون السبب -وفقًا للصحيفة- هو المخاوف من الأزمات المحتملة بسبب التوترات التجارية، والحروب، والإغلاق الحكومي الطويل، أو حتى انهيار محتمل لأسهم الذكاء الاصطناعي، هذه العوامل تزيد من جاذبية الذهب كملاذ استثماري يحافظ على قيمته في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة.

هل البنوك المركزية هي السبب؟

أضافت الصحيفة تفسيرًا آخر يرى أن ارتفاع أسعار الذهب مدفوع بقرارات البنوك المركزية التي لا تخشى الانهيارات على المدى القصير بقدر قلقها من التغيرات طويلة الأمد. ويرى أصحاب هذا الرأي أن تصاعد المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم وفقدان الثقة في الدولار، دفع البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم إلى استبدال الأصول الدولارية طويلة الأجل بالذهب كملاذ آمن.

لكن الأدلة على أن هذا التفسير هو الأقرب للواقع ضعيفة -وفقًا للصحيفة-، فالدولار مستقر نسبيًا، وعوائد السندات طويلة الأجل لم ترتفع، كما أن مشتريات البنوك الناشئة من الذهب لا تزال محدودة، وتشير بيانات صندوق النقد إلى تباطؤ الشراء، وليس إلى تسارعه.

دور المضاربين في ارتفاع الأسعار

أشارت الصحيفة إلى أن كل هذا يجعل المضاربين العامل الأبرز الذي يفسر ارتفاع أسعار الذهب في الفترة الأخيرة. ففي 23 سبتمبر، بلغت عقود الشراء الآجلة للذهب رقمًا قياسيًا بلغ 200 ألف عقد، أي ما يعادل 619 طنًا، كما كانت مشتريات صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة قوية، وقد تراجعت تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة الشهر الماضي، مما يفسر جزءًا كبيرًا من انخفاض أسعار الذهب، وفقًا لتقديرات مايكل هاي من بنك سوسيتيه جنرال.

ويبدو -حسب الصحيفة- أن سعر الذهب يتبع عن كثب شهية هذه الصناديق المتقلبة، فمع انتعاش تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، عاودت أسعار الذهب ارتفاعها القياسي، وخلصت الصحيفة إلى أن ما بدأ قبل أشهر في شكل زيادة محدودة في احتياطيات البنوك المركزية من الذهب، تحول إلى كتلة من الأموال الساخنة التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، وكلما تواصل هذا الاتجاه زادت الخسائر التي قد يتكبدها المستثمرون الأكثر جرأة في نهاية المطاف.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *