كيف يزيد الذكاء الاصطناعي من مخاطر تزييف الفواتير؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف يزيد الذكاء الاصطناعي من مخاطر تزييف الفواتير؟, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 10:58 مساءً

يشهد العالم اليوم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي يبرز كقوة تحويلية تقدم فوائد جمة تمتد من تسهيل حياتنا اليومية عبر أنظمة الملاحة الذكية التي ترشدنا لحظة بلحظة في طرقنا إلى إحداث ثورة في الرعاية الصحية من خلال الكشف المبكر عن الأمراض. لكن هذا الانتشار الواسع والتطور المتسارع كشف عن جانب مظلم مقلق، يتمثل في فتح أبواب لم تكن معهودة من قبل لعمليات الاحتيال والخداع الرقمي، وبمستويات غير مسبوقة من الإتقان والتعقيد.

فقد أدت القدرات المتطورة للذكاء الاصطناعي، خاصة في مجال توليد المحتوى، الذي يشمل: النصوص والصور والمقاطع الصوتية والمرئية، إلى ظهور أشكال مبتكرة من التزييف الرقمي، تتميز بواقعية مذهلة تجعل عملية اكتشافها تحديًا حقيقيًا حتى للمتخصصين.

الاحتيال المالي.. تهديد متزايد للشركات والأفراد:

لم تَعد عمليات الاحتيال المالي مقتصرة على الأساليب التقليدية؛ إذ تواجه اليوم الشركات بجميع أحجامها، سواء كانت مؤسسات عملاقة أو شركات ناشئة صغيرة، وحتى الهيئات الحكومية المسؤولة عن تحصيل الضرائب، تحديًا متناميًا يتمثل في أنها أصبحت هدفًا لمطالبات استرداد أموال احتمالية.

وتستند هذه المطالبات غالبًا إلى وثائق مالية تبدو أصلية تمامًا، مثل: إيصالات الشراء وفواتير المعاملات، وتصل درجة الإتقان في تصميم هذه المستندات المزيفة إلى حد يحاكي النسخ الأصلية في أدق تفاصيلها – من حيث التصميم، والخطوط المستخدمة، وتنسيق البيانات، وحتى العلامات الدقيقة التي قد توحي بالأصالة – لدرجة يصعب معها تمييزها بالعين المجردة أو عبر عمليات التدقيق الروتينية، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للسلامة المالية.

وعلى صعيد الأفراد، يجب عليهم أيضًا إبداء أقصى درجات الحذر واليقظة في تعاملاتهم المالية والرقمية لتجنب الوقوع ضحايا لهذه الأساليب الاحتيالية التي تزداد تطورًا يومًا بعد يوم.

ولتوضيح مدى الإتقان الذي وصلت إليه هذه التقنيات في التزييف، يمكنك إلقاء نظرة فاحصة على صور الإيصالات المالية التالية، إحداهما أصلية تمامًا وتوثق معاملة شراء حقيقية تمّت بالفعل، أما الأخرى، فهي نسخة مزيفة أُنشئت باستخدام ChatGPT. فهل تستطيع التمييز بينهما وتحديد الإيصال المزيف بدقة؟

الإيصال المزور موجود في الجهة اليسرى والإيصال الحقيقي موجود في الجهة اليمنى.

وإذا لم تستطيع تحديد الإيصال المزيف في الصورة السابقة، يمكنك أيضًا المحاولة مرة أخرى مع الصورة التالية، هل يمكنك تحديد أيٌّ منهما هو الإيصال المُزيف بدقة وثقة؟

الإيصال المزور موجود في الجهة اليسرى والإيصال الحقيقي موجود في الجهة اليمنى.

إذا وجدت صعوبة بالغة في التمييز بينهما، أو لم تكن متأكدًا على الإطلاق من إجابتك، فهذا ليس أمرًا مفاجئًا، وهذه الصعوبة في الكشف هي النقطة الجوهرية التي تثير القلق، فأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي المتطورة القادرة على استنساخ نسخ مزيفة مطابقة للمستندات المالية الأصلية، بما يشمل الإيصالات والفواتير وكشوفات الحسابات، أصبحت منتشرة بنحو متزايد وتتطور بسرعة فائقة، مما يجعل اكتشاف التزوير مهمة بالغة الصعوبة.

وما يؤكد هذا التوجه ويزيد من خطورته هو الوتيرة المتسارعة للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي نفسه، فعلى سبيل المثال أطلقت شركة OpenAI، في نهاية شهر مارس الماضي إصدارًا جديدًا من نموذج توليد الصور في ChatGPT، ويتميز هذا النموذج بقدرته المحسّنة على إدماج نصوص مقروءة وواضحة وواقعية المظهر ضمن هذه الصور التي يولدها.

كما أطلقت شركة (Midjourney) في مطلع شهر أبريل الجاري نموذج الصور الجديد V7، الذي يوفر  تحسينات كبيرة في جودة الصور، مع تقديم مظهر أكثر واقعية وتحسينات في دقة التفاصيل.

وقد فتحت هذه القدرة الباب على مصراعيه أمام موجة جديدة وأكثر خطورة من عمليات الاحتيال الرقمي، إذ أصبحت الفواتير والإيصالات المزيفة أكثر إتقانًا وصعوبة في الكشف من أي وقت مضى.

ويطرح هذا التطور تساؤلات ملحة حول كيفية مواجهة هذا التحدي المتنامي وحماية أنفسنا ومؤسساتنا في عصر يمكن فيه للآلة أن تقلد الواقع بدقة مخيفة؟

حجم المشكلة وتكلفتها الباهظة:

لم يَعد الاحتيال المالي المعتمد على المستندات المزيفة مجرد إزعاج بسيط، بل هو قضية عالمية جسيمة ذات تكلفة باهظة، إذ تقدر (جمعية محققي الاحتيال المعتمدين الدولية) ACFE – وهي هيئة دولية رائدة في مكافحة الاحتيال – أن المؤسسات تخسر ما يقرب من 5% من إيراداتها السنوية بسبب الاحتيال.

وقد وثقت الجمعية في تقريرها الصادر عام 2024، خسائر تجاوزت 3.1 مليارات دولار أمريكي عبر 1,921 قضية، ويشكل الاحتيال في الفواتير والمصروفات وحده نسبة تبلغ 35% من قضايا اختلاس الأصول، بمتوسط خسائر يبلغ 150,000 دولار أمريكي لكل حالة تبلغ عنها الشركات.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الطريقة الأساسية التي يلجأ إليها المحتالون لإخفاء جرائمهم عادة ما تكون عبر إنشاء مستندات مزيفة أو تعديل الملفات الموجودة، وذلك تحديدًا ما يسهله الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي.

وتتعدد طرق الاحتيال؛ فقد ينشئ موظف إيصالًا وهميًا لوجبة غداء عمل لم تحدث، أو يختلق مقاول إيصالات لمصروفات لم ينفقها قط، وفي كلتا الحالتين تُستخدم المستندات المزورة لسحب أموال غير مستحقة.

وتشير نتائج استطلاعات رأي حديثة إلى أن هذه المشكلة قد تكون متجذرة وأكثر انتشارًا مما قد تعكسه الأرقام الرسمية للقضايا المبلغ عنها، ففي استطلاع رأي أُجري في عام 2024، اعترف نحو 24% من الموظفين بأنهم ارتكبوا بالفعل شكلًا من أشكال الاحتيال المتعلق بنفقات العمل، بالإضافة إلى ذلك، أقر نحو 15% بأنهم يفكرون جديًا في القيام بمثل هذه الممارسات.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو ما كشفه استطلاع آخر شمل صناع القرار في القطاع العام في المملكة المتحدة، إذ اعترفت نسبة تبلغ 42% منهم بتقديم مطالبات نفقات احتيالية في وقت ما خلال مسيرتهم المهنية، وتكشف هذه الأرقام مدى انتشار الظاهرة وتأثيرها في مختلف القطاعات.

ولكن لماذا يفاقم الذكاء الاصطناعي هذه المشكلة؟

لفهم الأبعاد الحقيقية لكيفية مساهمة الذكاء الاصطناعي في إحداث طفرة محتملة ومقلقة في أنشطة الاحتيال المالي، من الضروري أن نلقي نظرة تحليلية على نموذج (مثلث الاحتيال) fraud triangle الكلاسيكي، الذي يوضح أن وقوع الاحتيال يتطلب توفر ثلاثة عناصر وهي: الدافع (الذي يتمثل في وجود حاجة ماسة أو ضغط قوي)، والتبرير (إيجاد مبرر أخلاقي للفعل)، والفرصة (التي تتمثل في القدرة على ارتكاب الاحتيال دون اكتشاف).

وفي الماضي، كانت القدرة على إنشاء مستندات بمستوى عالٍ من الإتقان والمصداقية تمثل تحديًا كبيرًا وعائقًا حقيقيًا يحد من (الفرصة)، حتى مع وجود الدافع والتبرير. لكن اليوم، يأتي الذكاء الاصطناعي ليقلب هذه المعادلة رأسًا على عقب، إذ يعمل على إزالة هذا الحاجز التقني من خلال جعل عملية إنشاء المستندات المزيفة سهلة ومتاحة للجميع تقريبًا، فقد أصبح توليد فاتورة أو إيصال أو كشف حساب مزيف لا يتطلب سوى بضع نقرات فقط.

وهنا تكمن الخطورة الكبرى، فالذكاء الاصطناعي لا يصنع بالضرورة دوافع جديدة للاحتيال ولا يغير من طبيعة التبريرات التي يختلقها البشر، ولكنه يوسع بنحو ومقلق نطاق “الفرصة” المتاحة لارتكابه.

وقد أكدت الأبحاث والدراسات المتخصصة في مجال علم الجريمة وسلوكيات الاحتيال، وجود علاقة مباشرة وقوية بين زيادة الفرص المتاحة لارتكاب الجريمة، وبين الارتفاع الفعلي في معدلات وقوع تلك الجريمة. وبتسهيل الذكاء الاصطناعي لعملية تزييف المستندات، فإنه يغذي بنحو مباشر أحد الأضلاع الرئيسية لمثلث الاحتيال، مما ينذر بارتفاع محتمل في معدلات الاحتيال المالي في المستقبل القريب.

تأثيرات واسعة النطاق.. من الضرائب إلى المستهلك:

عندما تُستخدم الإيصالات والمستندات المالية المزيفة لدعم مطالبات الخصم الضريبي، فإن الأمر يتجاوز كونه مجرد مخالفة مالية ويتحمله المجتمع بأسره، فنقص الإيرادات الضريبية بسبب الاحتيال يعني موارد أقل للخدمات العامة الأساسية التي نعتمد عليها جميعًا، مثل التعليم والرعاية الصحية وتطوير البنية التحتية، مما قد يضطر الحكومات لتعويض هذا النقص إما بتقليل الإنفاق على هذه الخدمات الحيوية أو بزيادة العبء الضريبي على المواطنين والشركات الملتزمة.

وتشير تقديرات مكتب الضرائب الأسترالي إلى وجود ما فجوة ضريبية سنوية تُقدر قيمتها بنحو 2.7 مليار دولار، ويعزى هذا الرقم الضخم إلى المطالبات غير الصحيحة أو المبالغ فيها بنحو متعمد للخصومات الضريبية من قطاع الشركات الصغيرة وحده في أستراليا، ويسلط ذلك الضوء على حجم الاحتيال المالي الذي يمكن أن يحدث حتى ضمن شريحة واحدة من دافعي الضرائب في بلد واحد.

ولا يقتصر خطر الإيصالات والفواتير المزيفة التي يولدها الذكاء الاصطناعي على الشركات والسلطات الضريبية، بل يمتد ليشمل المستهلكين الأفراد الذين أصبحوا أيضًا عرضة بنحو متزايد لهجمات المحتالين الذين يستغلون هذه التقنيات لخداعهم وسرقة أموالهم.

تخيل أنك تتلقى رسالة بريد إلكتروني تبدو وكأنها من شركة الكهرباء أو الاتصالات، وتحتوي على فاتورة بتنسيق وشعار مطابقين تمامًا للفواتير الرسمية التي اعتدت عليها، ولكن تفاصيل الدفع فيها توجه أموالك مباشرة إلى حساب المحتال. هذا السيناريو ليس خياليًا، بل يحدث بالفعل، فقد سجلت لجنة المنافسة والمستهلك الأسترالية خسائر تجاوزت 3.1 مليارات دولار نتيجة لمختلف عمليات الاحتيال التي تعرض لها المستهلكون في عام 2023 وحده، مع ملاحظة النمو السريع للاحتيال عبر إعادة توجيه عمليات الدفع الإلكتروني، وهو نوع من الاحتيال يسهّل الذكاء الاصطناعي تنفيذه عبر إنشاء مستندات تجارية مقنعة.

العصر الرقمي وتحدي التحقق من التزييف:

يتفاقم هذا التهديد بسبب اعتمادنا المتزايد على المستندات الرقمية، فاليوم، تصدر العديد من الشركات إيصالاتها رقميًا، وتتطلب أنظمة إدارة النفقات من الموظفين تقديم صور أو نسخ ممسوحة ضوئيًا، وتقبل السلطات الضريبية المستندات المخزنة إلكترونيًا.

ومع تزايد ندرة الإيصالات الورقية واختفاء مزايا الأمان المادية الملموسة التي كانت توفرها – مثل نوعية الورق الخاصة، والعلامات المائية، وخيوط الأمان، أو الأحبار المتغيرة اللون التي يصعب تقليدها – أصبح اكتشاف التزييف الرقمي من خلال الفحص البصري وحده شبه مستحيل.

البحث عن حلول.. هل المصادقة الرقمية كافية؟

في مواجهة هذا التحدي، تظهر بعض الإجراءات المضادة المحتملة، مثل معيار (مصدر المحتوى وأصالته) C2PA، الذي يهدف إلى تضمين بيانات وصفية (metadata) مشفرة، يمكن التحقق منها حول مصدر الملف الرقمي وتاريخ إنشائه، وربما تفاصيل عن الأدوات المستخدمة في إنشائه مثل: اسم نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم، أو التعديلات التي أُجريت عليه، مباشرةً ضمن بنية الملف نفسه.

ومع ذلك، يعاني هذا المعيار وغيره من نقاط ضعف، أبرزها إمكانية إزالة المستخدمين للبيانات الوصفية (Metadata) ببساطة عن طريق أخذ لقطة شاشة للمحتوى الأصلي؛ فالصورة الجديدة الناتجة عن لقطة الشاشة هي ملف جديد تمامًا لا يحمل بالضرورة بيانات المصدر المدمجة في الملف الأصلي.

لذلك، تظل معايير المصادقة الرقمية مجرد جزء من الحل لمواجهة التزييف الرقمي المتطور، في حين تبدو العودة إلى المستندات الورقية خيارًا غير عملي في عصرنا الرقمي.

نحو مستقبل مالي يتطلب أكثر من مجرد الفحص البصري:

تغير قدرة الذكاء الاصطناعي على إنشاء مستندات مالية مزيفة بواقعية مذهلة بنحو جذري النهج التقليدي في التحقق من النفقات والحفاظ على الأمان المالي، فقد أصبح الفحص البصري التقليدي للإيصالات والفواتير نهجًا عتيقًا.

لذلك، تحتاج الشركات والسلطات الضريبية والأفراد على حد سواء إلى التكيف بسرعة عبر تطبيق أنظمة تحقق أكثر تطورًا، وقد تشمل هذه الأنظمة مطابقة المعاملات آليًا مع السجلات المصرفية، أو استخدام أنظمة الكشف الآلي لتحديد أنماط الإنفاق غير العادية، أو التوسع في استخدام تقنيات مثل البلوك تشين (Blockchain) لتعزيز التحقق من صحة المعاملات.

ومع هذه الحلول المحتملة، تستمر الفجوة في الاتساع بين ما يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاؤه، وما يمكن لأنظمتنا الحالية التحقق منه بنحو موثوق وفوري وفعال من حيث التكلفة.

ويضعنا هذا السباق غير المتكافئ أمام تحدٍّ يتعلق بأساس الثقة التي يقوم عليها النظام المالي والاقتصادي الرقمي بأكمله: كيف يمكننا، كأفراد ومؤسسات ومجتمعات، الحفاظ على هذه الثقة الضرورية واستدامتها في المعاملات المالية، في عالم لم يَعد فيه مجرد رؤية المستند أو الصورة الرقمية دليلًا كافيًا لتصديقه والوثوق بمحتواه؟ تكمن الإجابة في الابتكار المستمر وتطوير آليات دفاعية أكثر ذكاءً وقوة.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق