تراجع ملحوظ في أرباح شركات الأسمنت السعودية وسط تقلبات سعر الذهب وتأثيره على الأسواق

على الرغم من تحقيق قطاع الأسمنت السعودي نموًا ملحوظًا في مبيعات الربع الثالث بنسبة 12% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، إلا أن هذا النمو لم ينعكس إيجابيًا على الأرباح، حيث انخفضت أرباح القطاع بأكثر من 52%، مما يعكس الضغط الهيكلي الكبير الذي يواجهه السوق. هذا التباين بين زيادة المبيعات وتراجع الربحية يشير إلى أن المشكلة لا تكمن في الطلب، بل في فائض العرض الهائل والطاقة الإنتاجية الزائدة، التي أدت إلى دخول الشركات في منافسة شرسة بأسعار منخفضة لتصريف الإنتاج، على حساب هوامش الربح.

تحديات فائض الطاقة الإنتاجية وتأثيرها على سوق الأسمنت السعودي

يعاني السوق بشكل أساسي من ضخامة المخزون، خاصة مادة الكلنكر، وهي العنصر الأساسي في صناعة الأسمنت، وتخزينه مكلف ويتطلب مساحات كبيرة، إضافة إلى تدهور جودته خلال عام واحد، ما يحفز الشركات على تخفيض مخزونها فورًا حتى بأسعار منخفضة. هذا الواقع دفع إلى تخفيض الأسعار بشكل كبير، ليس بهدف توسيع الحصة السوقية، بل لتفادي تكاليف التخزين، ما أدى إلى تآكل هوامش الأرباح ورفع درجة المنافسة بين الشركات.

دور الكفاءة التشغيلية في مواجهة أزمة الربحية

تمكنت بعض الشركات، مثل أسمنت اليمامة، التي تمتلك خطوط إنتاج حديثة وتستخدم الغاز الطبيعي بدلاً من الوقود الثقيل لتقليل التكلفة التشغيلية، من زيادة المبيعات بنسبة 66%، مع تراجع أرباحها بنسبة 63% بسبب تخفيض الأسعار بشكل كبير لزيادة الصفقات. هذا يسلط الضوء على أهمية تبني استراتيجيات تشغيلية حديثة لتحسين الكفاءة، حيث بدأ بعض المصنعين في التحول الكامل إلى الغاز الطبيعي، وتطبيق مشاريع رفع كفاءة الطاقة، وخفض تكلفة الإنتاج لكل وحدة، ما يمنحهم قدرة أكبر على الصمود في مواجهة حرب الأسعار المستمرة.

استراتيجيات مستقبلية لتعزيز استدامة الربحية في قطاع الأسمنت

يُظهر أداء الربع الثالث بوضوح أن زيادة المبيعات بنسبة 12% لم تُترجم إلى أرباح بسبب تخفيض الأسعار بهدف تفريغ مخزون الكلنكر، ما يوضح أن النمو كان شكليًا للحد من الخسائر. ويلزم القطاع مرحلة تصحيح ضرورية تشمل ضبط الطاقة الإنتاجية بما يتناسب مع الطلب الحقيقي، والابتعاد عن المنافسة السعرية التي تقلل الربحية. الشركات الأكثر كفاءة وتحديثًا ستستطيع البقاء والتوسع، بينما قد تضطر الشركات الأقل كفاءة إلى إعادة الهيكلة أو عمليات الدمج لتقليل التكاليف. كما يشكل استمرار المشاريع السعودية الكبرى في البنية التحتية والعقار فرصة واعدة يحتاج الاستفادة منها إلى إعادة النظر في الاستراتيجيات، وخفض التكاليف، وتحسين إدارة المخزون، والاعتماد على التخطيط الاستراتيجي بعيدًا عن الاستجابة المؤقتة للأسواق.

باختصار، يتحول قطاع الأسمنت السعودي نحو نموذج تشغيلي أكثر ذكاء ومرونة، يوازن بين الإنتاج والطلب مع تحقيق ربحية مستدامة، ما يفتح أبوابًا جديدة للنمو في مرحلة تحمل تحديات كبيرة ولكنها أيضًا مليئة بالفرص للمستثمرين وإدارات الشركات المستعدة للتغيير.

نقلاً عن “الرياض”.