تأثير تحرير سعر الصرف يقود طفرة تاريخية في البورصة المصرية ويرتفع سعر الذهب بشكل غير مسبوق

خاص بالبورصة المصرية ـ أرشيف

تشهد البورصة المصرية في عام 2024 أحد أطول وأقوى موجات الصعود في تاريخها، مع ارتفاعات متتالية تجاوزت 11 شهراً، ومكاسب تخطت 16 مليار دولار، في أسرع وتيرة نمو خلال عقدين من الزمن. ويعكس هذا الأداء القوي مدى نجاح الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي انتهجتها مصر، والتي ركزت على تطوير البنية التحتية، مثل شبكات الطرق والموانئ والمطارات، بالإضافة إلى دعم القطاعات الرقمية.

ضخت الحكومة استثمارات تجاوزت 500 مليار دولار، وجذبت استثمارات أجنبية تفوق 80 مليار دولار خلال العامين الأخيرين، مع نمو ملحوظ في الصادرات غير البترولية التي بلغت 82 مليار دولار، بالإضافة إلى طفرة في قطاع السياحة بإيرادات بلغت 27.6 مليار دولار حتى سبتمبر 2024، متوقعة زيادة إضافية بعد افتتاح المتحف المصري الكبير، مما يعزز مكانة مصر كوجهة جاذبة للاستثمارات والسياحة العالمية.

تحرير سعر الصرف وتأثيره على نمو البورصة المصرية

يرى الدكتور عادل كريم، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن ارتفاعات مؤشرات البورصة تأتي نتيجة السياسات المالية والإصلاحات الهيكلية التي تبنتها الحكومة، مع تأكيده على أن تحرير سعر الصرف في مارس 2024 كان نقطة تحوّل حاسمة للسوق المالي المصري. هذا القرار ساهم في زيادة كبيرة بتدفقات الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وأدى إلى إعادة تقييم الأصول المقومة بالجنيه، مما جعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، إلى جانب تحوّل السيولة إلى سوق الأسهم كملاذ آمن في ظل توقعات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

برنامج الطروحات الحكومية ودوره في تعزيز الاقتصاد المصري

يشكل برنامج الطروحات الحكومية ركيزة أساسية في خطة الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، مع العلم أن تأخر بعض الطروحات أدى إلى دمج المراجعتين الخامسة والسادسة للبرنامج. وتعتبر الطروحات محفزاً لتنشيط مشاركة القطاع الخاص، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحقيق الشفافية في إدارة الأصول العامة. إلا أن التحديات تبقى قائمة، مثل صعوبة التقييم العادل للشركات بسبب تقلبات السوق والأوضاع الإقليمية، بالإضافة إلى تذبذب سعر العملة الذي ينتظره المستثمرون لاستقرار الجنيه قبل الانخراط في الطروحات الجديدة.

القطاعات الاقتصادية الأكثر جاذبية للاستثمار في مصر 2024

يشير كريم إلى تركز الاستثمارات على قطاعي العقارات والطاقة، نظراً لمرونتهما وقدرتهما على التكيف مع الظروف الاقتصادية العالمية، حيث يُعتبر قطاع العقارات ملاذاً آمناً لمخازن القيمة في الفترات المضطربة، بينما يشهد قطاع الطاقة نمواً ملحوظاً بسبب محدودية العرض وارتفاع الطلب العالمي. كما توجد فرص واعدة في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والاتصالات، التي يمكنها تحقيق نمو قوي مع تحسين الإنتاجية وبيئة الأعمال، خصوصاً أن مساهمتها الحالية في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 36%، وهو أقل من مساهمة قطاع العقارات منفرداً، ما يشير إلى حاجة لإصلاح هيكلي أعمق لهيكلة النمو بشكل متوازن.

اتساع دور القطاع الخاص مقابل تقلص الإنفاق الحكومي

تبيّن بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن القطاع الخاص يوسع حضوره في الاقتصاد المصري، مع ارتفاع مساهمته إلى 47%، مقابل انخفاض الاستثمار العام الحكومي بنسبة 43%، في ظل إجراءات ترشيد الإنفاق العام وحوكمة الموازنة. ويساهم برنامج الطروحات الحكومية في تعزيز هذا الاتجاه، من خلال تمكين القطاع الخاص من الوصول الأوسع إلى الاقتصاد الوطني، ما يعزز تنافسية الاقتصاد، ويخلق فرص عمل مستدامة، ويساعد على تحقيق الأهداف التنموية للدولة.

التحديات النقدية بين استقرار الجنيه والسياسات النقدية للبنك المركزي

توضح العلاقة بين الجنيه المصري والدولار الأميركي تعقيدات متعددة، حيث لا تعكس تغيرات الدولار أمام العملات الأخرى بالضرورة تحركات مماثلة للجنيه نتيجة الالتزامات والسياسات النقدية. ويعتبر استقرار الجنيه مهماً للحفاظ على توازن الأسواق، مع تجنب تقلبات حادة تؤثر سلباً على الاستثمارات والسيولة. وفي ظل دورة التيسير النقدي المتسارعة التي اتبعها البنك المركزي مؤخراً، لا تزال هناك حاجة لتدابير احترازية لمواجهة مخاطر التضخم، خاصة مع اتساع الفجوة بين الفائدة الاسمية والفائدة الحقيقية، مما يحتم الحذر في تخفيض أسعار الفائدة مستقبلاً، مع توقع تثبيتها في الاجتماعات القادمة لحين وضوح المشهد الاقتصادي.

آفاق النمو الاقتصادي المصري والتحديات المستقبلية في 2024

رغم التحسن الواضح في الأسواق المالية وتزايد ثقة المستثمرين، لا يزال الاقتصاد المصري في مرحلة التعافي، حيث تسهم الإصلاحات مثل تحرير سعر الصرف وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في تمهيد الطريق لنمو مستدام. وحفاظاً على الزخم، يلزم استمرار الاستقرار النقدي، وتحقيق توازن دقيق بين الانفتاح الاقتصادي وجاذبية السوق، وضبط السياسات المالية والنقدية، في ظل بيئة عالمية متقلبة. وتبقى القدرة على موازنة النمو والاستقرار المالي والنقدي هي التحدي الأبرز الذي يواجه صانعي القرار لتحقيق مستقبل اقتصادي متوازن وقوي.