150 دولة تعترف بفلسطين: السعودية تعزز جهود حل الدولتين وتؤكد دعمها السياسي والإنساني
لم تكن القضية الفلسطينية يوماً قضية عابرة في السياسة السعودية، بل ظلت منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، قضية محورية في صميم الثوابت الوطنية والسياسات الإقليمية للمملكة. إن الدفاع عن فلسطين بالنسبة للرياض ليس مجرد التزام سياسي، بل هو واجب إنساني وديني وأخلاقي، تجسد على مدى عقود طويلة في شكل دعم سياسي ومالي وإنساني مستمر.
القضية الفلسطينية في صميم السياسة السعودية
أعلنت المملكة منذ البداية أن فلسطين هي القضية الأولى للعرب والمسلمين، ورفضت جميع أشكال الاحتلال والتهجير القسري، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. على مر العهود، حرص ملوك المملكة على تقديم دعم سخي للفلسطينيين، سواء من خلال المساعدات المالية المباشرة أو تمويل مشاريع تنموية وصحية وتعليمية، بالإضافة إلى الدعم السياسي الدائم في المحافل الدولية.
الجهود السياسية الداعمة لفلسطين
على المستوى السياسي، تبنت المملكة مبادرات بارزة، وأهمها مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت في عام 2002، والتي تعتبر حتى اليوم المرجع الأكثر شمولية لتحقيق سلام عادل ودائم. كما لعبت السعودية دوراً محورياً في دعم المواقف الدولية داخل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لصالح القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، استطاعت السعودية في سبتمبر 2024 بالتعاون مع النرويج تأسيس “التحالف العالمي لتفعيل حل الدولتين”، وسرعان ما تعززت جهودها بالشراكة مع فرنسا، حيث تمكنت من تنظيم مؤتمرات دولية أسفرت عن “إعلان نيويورك” الذي تبنته الأمم المتحدة بأغلبية 142 صوتاً. وقد اعتُبر هذا الإعلان إنجازاً دبلوماسياً، حيث وقعت عليه جميع الدول العربية والاتحاد الأوروبي و17 دولة أخرى، مما منح زخماً جديداً لمشروع حل الدولتين.
في الفترة حتى سبتمبر 2025، اعترفت 150 دولة من إجمالي 193 في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، ما يعادل أكثر من 78% من أعضاء المنظمة الدولية. وشهدت الشهور الأخيرة تسارعا ملحوظاً بعد إعلان عدد من الدول الكبرى نيتها الاعتراف بفلسطين. ويُنسب الفضل في هذه الديناميكية الدبلوماسية إلى الجهود السعودية المشتركة مع فرنسا، مما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى توجيه شكر خاص للقيادة السعودية على دورها المحوري.
خلال أكثر من ثمانية عقود، لم يتوقف الدعم السعودي الإنساني عن الفلسطينيين، حيث قدمت المملكة مليارات الدولارات للسلطة الفلسطينية، ومولت مئات المشاريع عبر صندوق التنمية السعودي، والتي شملت إنشاء مستشفيات ومدارس ودعم للبنية التحتية. بالإضافة لذلك، ذهبت قيمة المساعدات الإنسانية والإغاثية التي قدمتها السعودية للفلسطينيين إلى أكثر من 5 مليارات دولار، تضمنت أيضاً أكثر من مليار دولار لوكالة “الأونروا”. وفي خضم العدوان الأخير على غزة، أرسلت المملكة 58 طائرة إغاثية و8 بواخر محملة بالمواد الغذائية والطبية، مما يعكس حجم التضامن السعودي.
وخلال كل الأزمات الفلسطينية، كان الصوت السعودي حاضراً بقوة، حيث تم التأكيد على رفض التهجير والحصار، والضرورة الملحة لتحقيق الحل العادل القائم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ورغم كل موقف سياسي، كانت المملكة ترافقه خطوات إنسانية ملموسة، من حملات التبرع الشعبية التي قادها الملك وولي العهد، إلى جهود مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
تعكس قيادة السعودية لحملة الاعتراف بدولة فلسطين إيمانها العميق بأنه لا يمكن تحقيق السلام الإقليمي دون العدالة للشعب الفلسطيني. وفي ضوء رؤية السعودية-الفرنسية، لن يتم تحقيق التطبيع الإقليمي قبل ضمان الحقوق الفلسطينية بالكامل. ومن هنا، تسعى الرياض إلى توجيه الزخم الدولي الحالي نحو مسار عملي يؤسس لحل دائم ويمنع تكرار دوامة العنف. إذ تؤكد المملكة على التزامها التاريخي بدعم الشعب الفلسطيني عبر مسارين متوازيين: سياسي نحو الاعتراف الدولي بدولة مستقلة، وإنساني يخفف من معاناتهم اليومية. ومع اعتراف 150 دولة بفلسطين، يبقى الدور السعودي محورياً في تحويل هذا الاعتراف إلى واقع ملموس، مما يعزز الأمل في تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.