ميدل إيست مونيتور: الحكومة الموازية تحت سيطرة حفتر تُدخل ليبيا في أكبر أزمة دين بتاريخها

الأزمة النقدية في ليبيا وتأثيرها الإقليمي

تشير تقارير إلى أن الحكومة الموازية التي تسعى نحو السيطرة تحت قيادة حفتر أدت إلى حدوث أكبر دين في تاريخ ليبيا الحديث، حيث أصبح الوضع المالي في البلاد يسير نحو مسار خطير. التمويل غير المُراقب الذي يُستخدم يساهم في تعزيز وجود مجموعة فاغنر، ويمكّن المهربين، كما يؤدي إلى إشعال النزاعات في السودان والدول المحيطة.

التدهور المالي وتأثيراته

عبور الأزمة النقدية في ليبيا لا يُعتبر مشكلة ثانوية، بل هو ضرورة تتعلق بأمن منطقة البحر المتوسط والساحل الأفريقي وأوروبا نفسها. السؤال المطروح ليس فقط عن كيفية صرف الأموال الليبية، بل عن كيفية تعرض مليارات الدينارات للمخاطر في تمويل الفوضى بدلاً من البناء نحو السلام. اليوم، تجد ليبيا نفسها في قلب أزمة مالية وأمنية عميقة، حيث تفرز الظروف الناتجة عنها تداعيات تؤثر على الدول المجاورة.

في صميم هذه الأزمات تكمن حكومة حماد الموازية، التي تسيطر فعلياً تحت إشراف المشير خليفة حفتر، والتي اعتمدت منذ عام 2023 على تمويل نقدي غير مُراقب. خلال عامين فقط، تراكمت ديون هائلة بلغت حوالي 129 مليار دينار ليبي، ما يوازي 24 مليار يورو. هذه الديون رفعت إجمالي الدين المحلي إلى 284 مليار دينار ليبي، وهو رقم يفوق كل التوقعات بالنسبة لدولة تعداد سكانها أقل من سبعة ملايين نسمة، مما يثير تساؤلات ملحة حول مصير هذه المبالغ.

على مدى السنوات الأربع الماضية، اعتمد الفرع الشرقي من المصرف المركزي على خلق النقود بالاقتراض المباشر من الخزانة العامة وإصدار السيولة دون وجود ميزانية عمومية متوازنة. عملية طباعة النقود سمحت للنظام العسكري في الشرق بتمويل نفقاته في ظل غياب مخصصات للعائدات النفطية أو سلطة قانونية واضحة للاقتراض. التدقيقات المالية التي أجرتها شركة ديلويت كشفت عن دخول مليارات الدنانير إلى الاقتصاد عبر 46.8 مليار دينار من الودائع و13.8 مليار دينار نتيجة لطباعة النقود، مما أدى إلى زيادة كبيرة في المعروض النقدي بعيدا عن الضوابط المالية التقليدية.

منذ بداية عام 2023، تفاقمت الأوضاع مع عودة الحكومة الموازية التي عادت ليس فقط إلى استئناف التمويل النقدي، بل وتسارعت بمعدلات غير مسبوقة. وقد أنشأت هذه الظروف ديناً إضافياً بلغ حجمه 129 مليار دينار، وهو ما يعادل حوالي 80% من إجمالي الدين العام الناجم عن الحكومات من عام 2014 حتى 2020.

النتائج المترتبة على ذلك هي أزمة مزدوجة؛ من جهة، تتآكل استقلالية المصرف المركزي، ومن جهة أخرى، يظهر نظام مالي موازٍ يعزز الفساد ويزعزع استقرار سعر الصرف. في إطار هذه الفوضى، يُعتبر التمويل النقدي غير المُراقب مقلقاً بشكل خاص لمساهمته في دعم مجموعة فاغنر، التي أُعيدت تسميتها مؤخراً بفيلق أفريقيا، والتي حولت ليبيا إلى قاعدة لعملياتها في جميع أنحاء أفريقيا.

يعزز تدفق الأموال غير المُراقبة المُوجهة عبر السوق السوداء عمليات الجماعات المسلحة، مما يُعقد الأزمات ويُسهم في زيادة توترات النزاعات في المنطقة. قوات الدعم السريع السودانية تتلقى بدورها دعماً مالياً غير مباشر عبر ليبيا، مما يُصعب من الوضع الأمني في واحدة من أكثر الحروب تدميراً في أفريقيا. يعتمد حفتر على التمويل النقدي غير المُراقب ما يُنتج بيئة مالية تُغذي الميليشيات المرتزقة وتعزز من حدتها في الصراعات الإقليمية.

كل هذه الديناميكيات تشير إلى احتمالية زيادة عدم الاستقرار، تفشي النزوح، وتعميق الأزمات المتعلقة باللاجئين والهجرة. بالنسبة لصانعي السياسات الأفارقة والأوروبيين، الخطر واضح؛ الاضطراب المالي في ليبيا ليس أزمة محلية بل يُعتبر مُضاعفًا لأزمات الإقليم. يُسهم استمرار الوضع الراهن في دعم اقتصاد ظلٍ غير نظامي يزعزع الاستقرار داخل ليبيا ويمتد إلى الدول المجاورة.

تجعل مليارات الدنانير المُتداولة خارج أي إطار شفاف نموذج عمل المرتزقة والأسواق غير المشروعة مستدامًا، مما يخلق مسؤوليات جديدة للجهات الفاعلة الأجنبية. يجب أن تُركز العلاقات مع ليبيا على مؤسسات تتسم بالشفافية والمساءلة، بدلاً من سلطات موازية تتغذى على الفوضى النقدية. لا تقتصر خطورة الأزمة النقدية في ليبيا على سوء الإدارة المالية فحسب، بل تعد بمثابة عامل مضاعف للتهديدات الاستراتيجية. تراكم الديون يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتمويل الصراعات الإقليمية، الاقتصادي غير المشروع، وأزمات اللاجئين. إذا استمر هذا المسار دون رادع، فقد يؤدي إلى انهيار أمني واقتصادي يعصف بليبيا خلال سنوات قليلة، مع عواقب وخيمة على شعبها وتداعيات مُزعزعة للاستقرار تمتد عبر أفريقيا وأوروبا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *