حمّى الذهب العالمية تتصاعد وتطرح تساؤلات عن مستقبل الأسواق وتأثيرات التغيرات الاقتصادية على المعدن النفيس

في طوكيو، فتحت أبواب متجر “نيهون ماتيريال” أمام طوابير من المشترين للذهب، وسرعان ما نفدت الكمية المخصصة لليوم بعد ساعة واحدة فقط من الافتتاح، وكانت بين الصفوف كينجي أونوكي، المهندس المعماري الأربعيني، الذي شعر بنشوة الانتصار بعد أن نجح في شراء سبيكته الذهبية الأولى، رغم أنه سيتعين عليه الانتظار شهرًا كاملًا لتسلمها، حيث قال مبتسمًا للصحفيين: “أردت شيئًا حقيقياً، شيئًا يمكنك أن تمسكه بيدك”، فما بدا كحدث فردي في متجر ياباني تحول إلى ظاهرة عالمية مدهشة.

الجنون العالمي نحو المعدن الأصفر

تشهد الأسواق العالمية، وفقًا لفايننشال تايمز، “حمّى الذهب الكبرى”، حيث يعيش العالم موجة شراء محمومة تشمل الأفراد والمستثمرين، بعد أن أعاد الذهب سحره القديم. ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 50% منذ بداية العام، لتصل إلى أكثر من 4 آلاف دولار للأونصة، وهو أعلى مستوى تاريخي، بسبب الخوف من انهيار مالي شامل. يقول ديفيد تيت، الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي، إن “الخوف” يُعتبر الكلمة المفتاح في قصة الذهب الحالية.

الهوس الياباني بالذهب

في اليابان، ارتفعت الأسعار محليًا لتتجاوز 20 ألف ين (حوالي 131 دولارًا) للغرام الواحد، وهو مستوى غير مسبوق، حيث وصفته فايننشال تايمز بأنه “انفجار ذهبي”. يتحول المجتمع الياباني، الذي شهد عقودًا من الانكماش، إلى علاقة جديدة مع التضخم، مما دفع العائلات إلى تحويل مدخراتها إلى سبائك ذهبية، كما يقول بروس إيكيمازو، مدير جمعية سوق الذهب اليابانية.

البنوك المركزية وتغيير النظام النقدي

تقوم البنوك المركزية، خاصة في آسيا والشرق الأوسط، بشراء كميات قياسية من الذهب لتعزيز احتياطياتها وتقليل الاعتماد على الدولار. وارتفعت حصة الذهب من احتياطيات البنوك المركزية العالمية من 10% إلى نحو 24% بحلول منتصف 2025، وهو ما يعكس عودة الذهب كأصل احتياطي مهيمن.

التحولات السياسية وتأثيرها على الأسعار

أدى الضغوط السياسية في الولايات المتحدة إلى زيادة أسعار الذهب، حيث ضغط الرئيس ترامب على الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة. وقد أثرت هذه الضغوط بشكل مباشر على تحركات الأسعار، مما زاد من القلق بين المستثمرين.

القلق العالمي وصعود الذهب

تعكس زيادة أسعار الذهب أزمة ثقة متزايدة في النظام المالي العالمي، ويعتبر الكثيرون أن الذهب بات مرآة تعكس قلق العالم، خاصة مع تآكل الثقة في الدولار. ومع هذه الزيادة في الأسعار، يظهر خطر الفقاعة المالية، حيث يبحث المستثمرون عن ملاذات آمنة مثل الذهب.

في النهاية، يظل الذهب عنصرًا جذابًا واحتياطيًا آمنًا في عالم مليء بالاضطرابات، وكلما زاد القلق، زاد بريق المعدن الأصفر.