نعيم قاسم يُحدث انقلابًا في خطاب نصر الله: من تصعيد المواجهات إلى دعوة للحوار والتفاهم!

لم تكن تصريحات الشيخ نعيم قاسم بالأمس مجرد محاولة لتخفيف حدة الخطاب تجاه السعودية، بل بدا أنها تمثل انقلابًا صريحًا على الإرث الخطابي والعقائدي والسياسي الذي أسسه نصر الله على مدى عقود.

الانتقال من العداء إلى المراجعة

على مدى سنوات، رسم نصر الله صورة عدائية للسعودية أمام جمهوره، حيث أقنعهم بأن المملكة هي الجهة الرئيسية في المشروع الأميركي-الإسرائيلي-التكفيري الذي يهدف إلى تدمير مقاومتهم “المقدسة”. لم يتردد في اتهام السعودية بتمويل الحروب والتحريض على الفتن، وجعل منها العدو الثاني بعد إسرائيل، مبتعدًا عن أي مجال للمصالحة أو التفكير في “خط الرجعة”.

شكل هذا الخطاب هوية الحزب في الصراع الإقليمي وكرّس خصومة واضحة مع الدول العربية والإسلامية. اليوم، يأتي نعيم قاسم ليقول بوضوح: لسنا أعداءً للسعودية! ويدعو إلى تجميد الخلافات وفتح صفحة جديدة.

ما معنى أن تُبنى هوية الحزب على مواجهة السعودية، ثم يُقال فجأة إن العداء لم يكن مبررًا؟

شخصيًا، أرى أن هذا التحول لا يمكن تفسيره بمجرّد البراغماتية، بل هو أقرب إلى مراجعة صامتة لخط نصر الله، والتبرؤ الضمني من المرحلة السابقة. لا أعتقد أن قاسم هاجم نصر الله مباشرة، بل أراد سحب البساط من تحت خطاباته المتشددة وتقديم خطاب معتدل. وكأنه يشير إلى أن تلك المرحلة كانت “بلا طعمة”، وأن كل تلك التضحيات والدماء التي سقطت من شباب الشيعة اللبنانيين المغرر بهم، سواء في سوريا أو العراق أو غيرهما، ذهبت هباءً منثورًا.

التحديات السياسية الداخلية

الإشكالية الكبرى تكمن في كيف يمكن لحزب الله تبرير لجمهوره أن ما تم قوله على مدار سنوات عن دور السعودية في المؤامرة لم يعد صحيحًا اليوم؟ كيف يمكن أن يجمع بين لهجة نصر الله النارية ولغة قاسم التصالحية دون أن تظهر علامات انقسام داخلي أو ارتباك في الهوية؟

الجواب هنا هو أن الشيخ نعيم قد أدخل الحزب إلى مستقبل غير محدد، والمعضلة التي يواجهها حزب الله الآن تتمثل في كيفية إدارة هذا التناقض الداخلي في الخطاب، بعد كلمات الشيخ قاسم التي لم تكن عابرة، بل أحمل في طياتها زلزالًا سياسيًا داخليًا قد لا تهدأ ارتداداته قريبًا على صعيد ما تبقى من البيئة الحاضنة للحزب، والتي باشرت ترى بوضوح كم من الخداع والسموم التي تعرّضت لها من تحت يد قادتها.

قد يكون دور قاسم وإستراتيجياته الجديدة اختبارًا حقيقيًا للاختيارات السياسية التي اتخذها حزب الله، وعلى الحزب أن يتعامل بحذر مع هذه التحولات إذا أراد الحفاظ على قاعدته الشعبية وتماسكه الداخلي.