سعر الذهب يقفز مدفوعًا بتغيرات جيوسياسية عالمية وسط ترقب في الأسواق السعودية.
شهد سوق الذهب هذا العام ارتفاعاً ملحوظاً تجاوز 40%، ليخترق سعر الأونصة حاجز 3,900 دولار، في مسيرة صعود قد تتجاوز 4,200 دولار قبل نهاية العام، ويعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، أبرزها تزايد المخاطر الاقتصادية في الولايات المتحدة بالتزامن مع استمرار الإغلاقات الحكومية، بالإضافة إلى الطلب القوي من البنوك المركزية العالمية، خاصة في آسيا، التي تسعى إلى تنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار، فضلاً عن التوقعات بتخفيف السياسات النقدية، واحتمالية خفض أسعار الفائدة في الربع الأخير من العام، مما عزز جاذبية الذهب كملاذ آمن في أوقات التقلبات.
ما وراء الأرقام الظاهرة، يكمن انعكاس لتصدّع الثقة في النظام المالي العالمي، فالذهب، الذي لطالما كان مرآة للتضخم ومؤشراً على اضطراب العملات، أصبح اليوم مؤشراً على أزمة الثقة في الأدوات النقدية نفسها، وفي بحث العالم عن أصل يحمل قيمة ذاتية.
لماذا يشهد الذهب هذا الارتفاع القياسي؟
تراجع الثقة في النظام المالي العالمي
منذ التخلي عن قاعدة الذهب في سبعينيات القرن الماضي، تحوّل المال إلى عملة ورقية تعتمد على الثقة، لا على المعدن، ومع تضخم الديون واتساع الفجوة بين الاقتصاد الحقيقي والمالي، واستخدام السياسة النقدية كأداة سياسية، تآكلت هذه الثقة تدريجياً.
البنوك المركزية تعود إلى شراء الذهب
تشهد البنوك المركزية، وليس المستثمرين فحسب، عودة إلى شراء الذهب بكميات غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود، والدافع هنا ليس استثمارياً فحسب، بل سيادي، ويتمثل في تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار وتقليل الاعتماد على الأصول المعرضة للعقوبات أو القرارات الجيوسياسية، مما يجعل صعود الذهب الحالي مختلفاً، فهو يعكس تحوطاً من النظام المالي القائم.
الذهب.. “تصويت صامت” ضد التوسع النقدي
يمثل الذهب اليوم “تصويتاً صامتاً” ضد التوسع النقدي المفرط، فعندما تفقد العملات وظيفتها كمخزن للقيمة، يبحث المستثمرون عن بديل تاريخي لا يمكن طباعته أو تجميده، فالصعود الحالي هو استفتاء عالمي على مستقبل النقود.
إعادة تسعير عالمية للمخاطر
يمثل هذا التحول في أسعار الذهب مرحلة إعادة تسعير عالمية للمخاطر، فالصعود يعكس انتقال الثقل من الأصول الورقية إلى الأصول الحقيقية، ومن الثقة بالمؤسسات إلى الثقة بالماديات القابلة للحيازة، ومع اتساع التقلبات النقدية وتراجع العوائد الحقيقية، أصبح الذهب أداة لإعادة التوازن داخل المحافظ الاستثمارية والسياسات المالية.