السعودية وسوريا: نموذج مشترك للاستقرار ومواجهة الفوضى

الدور السعودي في الاستقرار السوري

منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، تشابكت العوامل الإقليمية والدولية بعمق ضمن مسار الأزمة. اليوم، مع ظهور ملامح النظام الجديد في دمشق برئاسة أحمد الشرع، يبرز سؤال مهم: من يمتلك القدرة على ضمان الاستقرار ومنع تجدد الصراع؟ في هذا الإطار، يتجلى الدور السعودي كعامل أساسي، ليس فقط في دعم الدولة الوطنية السورية، بل أيضًا في إرساء معادلة إقليمية جديدة.

المساهمات الإقليمية في إعادة الإعمار

تعتبر تركيا الراعي الرئيسي للنظام الجديد، حيث وفرت الدعم السياسي والعسكري وساهمت في تشكيل التحالفات الداخلية بين الفصائل. إلا أن أنقرة تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في ضعف قدرتها الاقتصادية على تمويل عملية إعادة الإعمار أو توفير الدعم المالي الكافي لضمان استقرار الدولة، إذ تعاني من أزمة اقتصادية داخلية خانقة، عجز في الموارد، مما يجعلها غير قادرة على أن تكون الممول الرئيسي لبناء “سوريا الجديدة”.

في هذا السياق، يأتي الدور السعودي كعامل حاسم، حيث تمتلك المملكة مؤهلات مالية وسياسية تتيح لها تقديم الدعم الضروري. فاستقرار سوريا لا يعود بالنفع على دمشق فحسب، بل يتماشى أيضًا مع رؤية الرياض لتقليل الفوضى في المنطقة وتعزيز نفوذها الإقليمي. تستطيع السعودية توفير التمويل لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، ودعم المؤسسات الحكومية، وتمويل مشاريع اقتصادية تخلق فرص عمل وتخفف التوترات الاجتماعية. هذه الجوانب الاقتصادية تكتسب أهمية عالية إلى جانب الأبعاد العسكرية والسياسية، حيث تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي.

ومع ذلك، فإن الخطر الذي يلوح في الأفق يكمن في هشاشة القاعدة التي يرتكز عليها الرئيس أحمد الشرع، حيث تشير التقارير إلى أنه لا يحظى إلا بتأييد حوالي 60% من الفصائل المقاتلة. وهذا يعني أن استمرار الفقر والحرمان قد يفتحان المجال لثورة داخلية أو نشوب حرب أهلية جديدة. في غياب التمويل، يمكن للمعارضة المسلحة أو الفصائل غير الراضية استغلال مشاعر الاستياء الشعبي لتقويض شرعية النظام الجديد. وبالتالي، يصبح الدعم السعودي ضرورة استراتيجية، ليس فقط لحماية النظام، بل أيضًا لحماية مفهوم الدولة الوطنية السورية من الانهيار.

من خلال دعمها، تضع الرياض نفسها شريكًا رئيسًا في إعادة صياغة المعادلة السورية. فهي تعبئ الفراغ الاقتصادي الذي خلفته تركيا، وتحد من التمدد الإيراني، وتمنع عودة الفوضى التي تغذيها الجماعات المتطرفة. بذلك، تتحول سوريا إلى ساحة جديدة للتعاون بين السعودية وتركيا، حيث توفر الأخيرة الغطاء السياسي والأمني، بينما تسهم المملكة بالأموال التي تضمن بقاء النظام الجديد.

وفقًا لتقارير استخباراتية، يُنظر إلى الدور السعودي بشكل إيجابي من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، حيث يعتبر النفوذ السعودي في دمشق ضمانًا لعدم انهيار الدولة مجددًا، ولإبقاء الصراع تحت السيطرة بعيدًا عن الانفجار الشامل. هذه التوجهات تشير إلى إدراك القوى الكبرى لقدرة الرياض على لعب دور الوسيط والممول الذي يوازن بين الأطراف الإقليمية ويحول دون تكرار سيناريوهات الفوضى.

في الختام، يتجاوز الدور السعودي مجرد الدعم المالي العابرة. إنه استثمار استراتيجي في استقرار المنطقة وبناء دولة وطنية سورية قادرة على الاستمرار. ومن دون هذا الدور، تبقى احتمالات الانزلاق إلى صراع داخلي أو تدخلات خارجية جديدة قائمة، مما يجعل الاستقرار السوري يعتمد بشكل كبير على إرادة الرياض والتزامها بدعم الدولة الوطنية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *