في عالم أصبح فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) من أساسيات العمل اليومي، لم يعد مجرد معرفة كيفية استخدام أدوات مثل «تشات جي بي تي»، كافياً لتحقيق النجاح المهني أو زيادة الدخل، فقد أظهرت دراسات، من بينها تقرير من شركة «أمازون ويب سيرفيسيز» «AWS»، وموقع التوظيف العالمي «أنديد دوت كوم»، أن تعلم الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يزيد دخلك بنسبة تصل إلى 47% حسب المجال. لكن، لزيادة فرص النجاح، وتحقيق قفزة حقيقية في الدخل، هناك ما هو أهم من مجرد الإلمام بالأساسيات: استراتيجية «مراكمة المهارات» أو (Skill Stacking).
ما هي استراتيجية تراكم المهارات؟
إن مراكمة المهارات، هي استراتيجية ذكية لبناء مسارك المهني، ترتكز على دمج مهارات متعددة متكاملة لخلق قيمة مضاعفة، بدلاً من مضاعفة ساعات العمل. وبدلاً من أن تكون موظفاً أو مستقلاً، يعتمد فقط على أداة واحدة مثل «تشات جي بي تي»، تصبح محترفاً متعدد الأدوات، قادراً على تقديم حلول متكاملة، تجعلك ضمن نخبة ال1% الأعلى قيمة في مجالك.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول من مجرد أداة مساعدة إلى محرك حقيقي لزيادة الدخل، خصوصاً إذا تمّ دمجه مع مهارات ذات طلب عالٍ في السوق.
ما هي المهارات الأساسية؟
وفقاً لعدد من الخبراء في مجالات الذكاء الاصطناعي والتوظيف، هناك ثلاث مهارات محورية، يجب على كل مستخدم محترف لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يمتلكها:
1 -الذكاء الاصطناعي التطبيقي (Applied AI):
تدفع الشركات في الوقت الحالي مقابل النتائج، وليس فقط مقابل الوقت أو الجهد. لذلك، فإن الموظف أو المستقل القادر على تطبيق الذكاء الاصطناعي لإنتاج نتائج قابلة للقياس، مثل زيادة المبيعات، أو تحسين تجربة المستخدم، أو تقليل التكاليف، هو شخص يعتبر «أصلًا عالي القيمة».
وإذا استطعت استخدام «تشات جي بي تي»، لتطوير حملات تسويق رقمية، أو إنشاء محتوى مخصص سريعاً، أو تحليل بيانات العملاء، فأنت تقدّم قيمة تجارية مباشرة. وهو ما يبحث عنه أصحاب العمل والعملاء اليوم.
2 -هندسة الأسئلة (Prompt Engineering):
القدرة على التفاعل مع «تشات جي بي تي» بقوة، تعتمد إلى حد كبير على هندسة الأسئلة أو التوجيهات الذكية، فكلما كانت مدخلاتك دقيقة ومبنية على سياق واضح، زادت جودة المخرجات.
هذه المهارة تشمل:
* تقديم السياق الكامل للنموذج
* تحديد الدور أو النمط الذي يجب أن يتبعه (على سبيل المثال: تصرّف كخبير مالي في سوق الشرق الأوسط)
* استخدام الأدوات المتقدمة، داخل «تشات جي بي تي»، مثل خاصية «البحث العميق» أو توليد التعليمات البرمجية، إن لزم الأمر.
إن هندسة الأسئلة لم تعد مجرد مهارة جانبية، بل أصبحت مهارة مركزية لمَن يسعى للاستفادة القصوى من أدوات الذكاء الاصطناعي.
3 - التفكير النقدي (Critical Thinking):
في عصر تتزايد فيه المحتويات المولّدة تلقائياً، لا بد من مهارة التفكير النقدي لتمييز الجيد من الرديء، واختيار الوقت المناسب لاستخدام الذكاء الاصطناعي، والوقت الذي يجب أن يُعتمد فيه على المهارات البشرية.
من فوائد التفكير النقدي:
* اكتشاف الثغرات والمبالغات في مخرجات الذكاء الاصطناعي
* استخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد لا كبديل
* الحفاظ على المصداقية والتميّز الإبداعي
* دمج المهارات الإنسانية كالفهم الثقافي والذكاء العاطفي في العمل النهائي
لماذا تعتبر هذه المهارات ضرورية؟
تؤكد التقارير العالمية أهمية هذه المهارات، فبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، وتقرير «مستقبل الوظائف» الصادر عن شركة «كورسيرا»:
* مهارات الذكاء الاصطناعي، تُعدّ من أسرع المهارات نمواً في سوق العمل، خلال عام 2025.
* مهارات التفكير النقدي والتواصل، تُصنف من بين «مهارات القوة»، التي تحظى بأهمية متزايدة لدى أصحاب العمل.
* تؤكد المديرة التنفيذية لدى «آي بي إم»، جوستينا نيكسون، أن مهارة التوجيه الذكي، هي من الأساسيات المهنية الجديدة لكل مستخدم للأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي.
كيف تبني مهاراتك المتكاملة؟
إليك خطوات عملية لتطوير مهاراتك وتفعيل هذه الاستراتيجية:
1. لا تعتمد فقط على «تشات جي بي تي»: استخدمه لتوليد الأفكار، لكنه لا يغني عن تطوير صوتك المهني ومهاراتك التحليلية والإبداعية الخاصة.
2. اسأل «لماذا؟» دائماً: لا تكتفِ بالإجابات، بل استخدم كل تفاعل كفرصة للتعلم من منطق الذكاء الاصطناعي.
3. مارس دور «المحرّر البشري»: راجع مخرجات الذكاء الاصطناعي بعين نقدية، وعدّلها لتناسب جمهورك وسياق عملك.
4. خصّص الأسئلة حسب الوظيفة أو المشروع: كل مجال يتطلب نوعاً مختلفاً من الأسئلة أو الأوامر، فتعلّم أن تكيّف أسلوبك حسب الحاجة.
5. استثمر في التعلم الذاتي: إن منصات مثل «آي إم بي سكيلز» و«كورسيرا» و«لينكد إن» و«كود أكاديمي»، توفّر دورات احترافية لتعلّم الذكاء الاصطناعي ومهارات التفكير النقدي بكلفة معقولة أو مجاناً.
كيف تضاعف دخلك؟
ببساطة، فإن امتلاكك لحساب في «تشات جي بي تي» لا يعني أنك جاهز للمستقبل. إن القيمة الحقيقية تأتي من قدرتك على استخدام هذه الأدوات كجزء من مجموعة مهارات متكاملة، تشمل الذكاء الاصطناعي التطبيقي، التوجيه الذكي، والتفكير النقدي.
ومن خلال دمج هذه المهارات الثلاث، ستصبح ليس فقط مستخدماً للذكاء الاصطناعي، بل قائداً في مجالك، قادراً على تقديم حلول متقدمة ومخصصة، وتحقيق قفزة نوعية في دخلك المهني، سواء كنت موظفاً أم مستقلاً أو صاحب مشروع جانبي.
0 تعليق