هل أَفل نجم الدولار؟ - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. رامي كمال النسور*

لطالما ظلَّ الدولار الأمريكي رمزاً للقوة الاقتصادية العالمية ومصدراً للاستقرار في النظام المالي الدولي، مستنداً إلى الثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة وهيمنة نظامها المصرفي على حركة التجارة والاستثمار حول العالم.
لكن اليوم ومع تسارع الأحداث الجيوسياسية والمالية وتنامي الدعوات لفك الارتباط بالدولار في التبادلات الدولية وتراجع الثقة بالنظام المالي الغارق في الديون والعجوزات، يثور السؤال: هل أفل نجم الدولار؟
شكَّل الدولار لعقود طويلة العمود الفقري للنظام المالي العالمي، حيث كان بمثابة العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم ووسيلة تسويات التجارة العالمية والملاذ الآمن في أوقات الأزمات. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة -وخاصةً بعد السياسات المالية والنقدية التوسعية في العقد الماضي- احتدم الجدل حول ما إذا كان الدولار على وشك التراجع، أو حتى الانهيار، هل بدأ العد التنازلي، أم أن المخاوف من انهيار الدولار مبالغ فيها؟
في هذه المقالة، نبحث العوامل التي تهدد مكانة الدولار، من تراجع الثقة العالمية، إلى التحولات في موازين القوى الاقتصادية، وصولاً إلى الاتجاه نحو العملات المحلية والرقمية في التجارة الدولية.
أصبح الدولار عملة الاحتياط الأولى عالمياً، بعد الحرب العالمية الثانية، مع تأسيس نظام «بريتون وودز» وربطه بالذهب، قبل أن يتحول إلى عملة عائمة، تُسعَّر وفق آليات السوق، بعد فك الارتباط بالذهب في السبعينيات.
واستمر الدولار في أداء دوره كمخزن للقيمة ووسيط للتبادل في التجارة العالمية وأسواق الطاقة وظل يحتفظ بنحو 58% من احتياطات البنوك المركزية حول العالم، ما جعله رمزاً للاستقرار المالي لعقود طويلة.
والحقيقة، تواجه الهيمنة التاريخية للدولار عدة تحديات تهدد مكانته حالياً وأبرزها، السياسات النقدية الأمريكية التوسعية، التي ضاعفت حجم الديون والعجوزات وأثارت المخاوف بشأن فقدان الثقة في قيمة الدولار على المدى الطويل، ثم يأتي بعد ذلك استخدام الدولار كسلاح في العقوبات المالية، ما دفع دولاً مثل روسيا والصين إلى تسريع خطوات البحث عن بدائل في معاملاتها الدولية، أيضاً الصعود الصيني المستمر ورغبة بكين في ترسيخ اليوان كعملة بديلة في التبادلات التجارية الدولية.
وأخيراً دعوات بعض الدول لزيادة الاعتماد على الذهب أو العملات المحلية في التسويات التجارية، خاصة بين الدول الناشئة.
وفي واقع الحال، تشير بعض المعطيات إلى بداية تراجع حصة الدولار تدريجياً، حيث عقدت الصين وروسيا والهند اتفاقيات تجارية بالعملات المحلية، للحد من الاعتماد على الدولار، كما لوحظ ارتفاع احتياطيات الذهب لدى العديد من البنوك المركزية وعلى رأسها الصين، في خطوة لحماية الثروات من تقلبات الدولار، كما تراجعت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية للبنوك المركزية من أكثر من 70%، عام 2000 إلى حوالي 58% حالياً وأخيراً توجه العديد من دول العالم نحو العملات الرقمية السيادية وهو ما يفتح الباب تدريجياً أمام نظام متعدد العملات مستقبلاً.
والسؤال الأهم هنا، لماذا لا يزال الدولار قوياً رغم هذه التحديات؟ يظل الدولار يتمتع بعدة عوامل تدعم مكانته، منها، عمق السوق المالية الأمريكية وسيولتها العالية، مما يجعله الخيار الأكثر أماناً في أوقات الأزمات. وكذلك الثقة المؤسساتية والقانونية بالنظام الأمريكي وهو ما لا يتوفر بالقدر نفسه في البدائل الأخرى وأخيراً يأتي أهم هذه العوامل، وهو غياب البديل المتكامل الذي يجمع بين الحجم، السيولة، الثقة والقبول الدولي بنفس مستوى الدولار حتى الآن.
والآن أمام هذه المعطيات، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الدولار، أولها استمرار الهيمنة مع تراجع تدريجي في الحصة العالمية، أو ظهور نظام متعدد العملات مع استخدام أوسع للعملات المحلية والذهب في التبادلات الدولية، أو إمكانية حدوث أزمة مالية، تضع الدولار أمام اختبار حقيقي في حال اهتزت الثقة بالنظام المالي الأمريكي.
أخيراً، هل أفل نجم الدولار؟ رغم التحديات المتزايدة التي يواجهها، فإن الحديث عن نهاية وشيكة له كعملة مهيمنة يبدو سابقاً لأوانه، غير أن مسار الأحداث يشير إلى بداية تحول تدريجي نحو نظام مالي عالمي أكثر تنوعاً، حيث لن يكون الدولار وحده على العرش، بل ستشاركه العملات المحلية والذهب وربما العملات الرقمية السيادية مستقبلاً في تشكيل النظام المالي العالمي القادم.
* المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق