لم يعد ممكناً اليوم لأي دولة، حتى بعد إعادة انتخاب ترامب، من أن تحمي صناعاتها كالسابق، وأن تسوق لقطاعاتها التي تعتبرها رائدة وذات مستقبل واعد. فوز ترامب بني على التفكير في الذات، وهو مبدأ مقبول سياسياً، لكنه مضر اقتصادياً، حيث التعاون هو أساس التقدم والنمو. لن تتمكن أي دولة حتى أمريكا من اعتماد سياسات حمائية عامة تعزل معها نفسها عن الاقتصاد الدولي، أو تطور نفسها على حساب الدول الأخرى.
هناك سياسات جديدة يعتمدها المجتمع الدولي، وهي مثلاً أفضلية البطالة على العجز المالي، أي لا يمكن التضحية بالإنسان ومعيشته لإبقاء العجز المالي، ضمن حدود مرسومة سابقاً. طبعاً التطرف في كل شيء مضر، لكن تطبيق سياسات إنسانية واقعية مطلوب لحماية الإنسان. فشلت التجارب الحمائية السابقة، لأنها لم تعالج المواضيع الأساسية أي الصحة والتعليم والغذاء والأمن الاجتماعي، بل ركزت على المنافسة والنمو والانفتاح والتجارة وهي غير كافية.
كانت هناك طريقتان لبناء الاقصاد، الأولى يلعب فيها القطاع العام الدور الأساسي، والثانية ترتكز على القطاع الخاص ودوره في بناء القدرات الإنتاجية أو ما يعرف بالاقتصاد الرأسمالي. لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو بسرعة وقوة من دون تعاون مع اقتصادات أخرى مجاورة أو بعيدة، ضمن تحالفات أو وحدات أو تجمعات. مع الوقت والتجارب تبين أن هناك طريقة ثالثة لتطبيق سياسات النمو هي الاقتصاد التضامني.
من أهم الركائز التي يبنى عليها الاقتصاد التضامني هي الثقة، التي تسهل الإنتاج والعلاقات بين العمال وأرباب العمل، وضمن المجموعتين، هناك أهمية كبيرة للحوار والتواصل، لكن لا مانع من حصول منافسة، ضمن القواعد الشرعية لأن هذا يقوي النتائج في حجمها ونوعيتها. في الاقتصاد التضامني هناك دور أكبر للإنسان والشركة، كما للمؤسسات الإقليمية في النمو، ودور أقل للدولة المركزية في رعاية العلاقات الاقتصادية الداخلية. يعتمد الاقتصاد التضامني الوطني على التواصل والتعلم والشراكة في بناء المستقبل المنتج.
يبنى هذا الاقتصاد على علاقات اجتماعية قوية بين المواطنين تحسن الوضع العام، وتعزز الإنتاجية عبر الخلق والتجدد. ترتكز سرعة البناء وسلامتها على علاقات واضحة وشفافة بين المواطنين، وليس على مجموعات متناحرة تحاول الإساءة الى بعضها بعضاً. هناك دائماً فروقات بين إنسان وآخر، إنما المهم أن يكون هناك تعاون بين المجموعات، وليس تناحراً دائماً لأسباب اقتصادية أو سياسية أو دينية أو غيرها. تبنى هذه العلاقات على شراكات وتبادل للمعلومات، تؤسس لاقتصادات جديدة ذات إنتاجية عالية.
في الاقتصاد التضامني هناك دور كبير للمناطق في تحقيق النمو وتنفيذ سياسات التجدد، التي تغير وجه الاقتصاد. ستكون عندها السياسات العامة مختلفة، بحيث تدعم مباشرة طموحات كل الشركات بما فيها الصغيرة والمتوسطة كما خاصة الناشئة.
لا ينكر أحد أن العولمة، وحتى ما تبقى منها، تفرض على كل الاقتصادات أن تكون تنافسية بالطريقة التي تختارها، علماً أنه لن يكون هناك تطور من دون تجدد في كل الشركات.
التضامن أو الانعزال - هرم مصر

التضامن أو الانعزال - هرم مصر

0 تعليق