السلام بين سوريا وإسرائيل.. عقبات تقف أمام التسوية النهائية - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وتزامنت هذه الخطوة مع تسريبات عن مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، تضع ملف الجولان في قلب الاشتباك السياسي، وتفتح باب الأسئلة حول مدى واقعية اتفاق أمني بين عدوين تاريخيين.

واشنطن تفتح الباب... بشروط

بحسب مصادر مطلعة، جاء القرار الأميركي برفع العقوبات عن سوريا بعد مشاورات واسعة داخل البيت الأبيض، حيث أوضح مسؤول أميركي لموقع "أكسيوس" أن إدارة ترامب مستعدة للتوسط بين سوريا وإسرائيل في اتفاق أمني جديد، بشرط التقدم في ثلاث ملفات: تطبيع تدريجي مع إسرائيل، كبح التنظيمات المتشددة، وضبط الفصائل الفلسطينية المسلحة.

ورغم هذا التوجه، أكدت الإدارة الأميركية أن مسألة ترسيم الحدود ووضع الجولان ستُترك للطرفين، مشيرة إلى أن واشنطن لن تمارس ضغطا علنيا على إسرائيل للتنازل عن أراضٍ تعتبرها "استراتيجية".

تل أبيب: لا تفاوض على الجولان

الموقف الإسرائيلي جاء حاسما وسريعا، حيث صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي بأن تل أبيب ترحب بإقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا ولبنان، لكنها "لن تدخل في مفاوضات حول وضع مرتفعات الجولان"، التي تم ضمّها رسميا لإسرائيل عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

الموقف الإسرائيلي عبّر عنه أيضا المحاضر في أكاديمية الجليل الغربي، موشيه إلعاد، خلال حديثه إلى برنامج "الظهيرة" على "سكاي نيوز عربية" حيث قال إن:"انسحاب إسرائيل من الجولان غير مطروح على الإطلاق. بالنسبة للإسرائيليين، الجولان خط أحمر، والحكومة الإسرائيلية لن تقبل حتى مناقشة الأمر. الحديث عن انسحاب هو مجرد حلم سوري".

دمشق ترد: لا سلام دون الجولان

في المقابل، أكدت مصادر سورية مقربة من دوائر القرار أن الرئيس السوري أحمد الشرع غير مستعد لتوقيع أي اتفاق سلام أوسع مع إسرائيل في المرحلة الحالية، مشيرة إلى أن دمشق تشترط انسحابا إسرائيليا كاملا من المناطق التي سيطرت عليها تل أبيب بعد سقوط نظام الأسد، وعلى رأسها الجولان.

وفي حديثه مع "الظهيرة"، شدد الكاتب والباحث السياسي عباس شريفة على أن الإدارة السورية، حتى وإن كانت انتقالية، لا تستطيع اتخاذ قرار استراتيجي مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، لأن هذه الأرض "ملك للشعب السوري" وليست ضمن صلاحيات أي قيادة.

وأضاف شريفة: "إسرائيل تسعى لسلام بدون استحقاقات. تريد أن تنال كل شيء دون أن تقدم شيئا، وتحاول استغلال حالة عدم الاستقرار في سوريا لفرض وقائع جديدة".

واقع الميدان: بين التوغلات الإسرائيلية والفوضى جنوب سوريا

منذ سقوط النظام السوري السابق، نفذت إسرائيل أكثر من 750 عملية عسكرية في سوريا، شملت قصفا وتوغلات، بحسب تصريحات شريفة، الذي اعتبر أن تل أبيب تستخدم "الفوضى الأمنية جنوب سوريا كذريعة للتدخل المستمر، دون أن تُسجّل حالة واحدة من اعتداء مباشر على إسرائيل من قبل الدولة السورية".

وأشار شريفة إلى أن إسرائيل تحاول فرض ما يسميه "منطقة عازلة ممتدة" داخل الأراضي السورية، بحجة حماية أمنها القومي.

وحول ذلك قال شريفة: "إذا قبلنا بمنطقة عازلة أولى، ثم جاءت تهديدات قرب حدودها، فهل سنقيم منطقة عازلة ثانية وثالثة؟ هذا منطق من يريد التهرب من استحقاقات السلام".

الجولان: عقدة الحل أم بوابة التفاوض؟

وفق مراقبين فإن مرتفعات الجولان تمثل أكبر عقبة أمام أي تقدم سياسي، فبينما تعتبرها إسرائيل "جزءا لا يتجزأ من أراضيها"، تصرّ سوريا على أنها "أرض محتلة لا يمكن التنازل عنها"، مستندة إلى قرارات أممية أبرزها قرار مجلس الأمن 497.

وعلى هذا الأساس، أكد شريفة أن "أي اتفاق لا يتضمن التزامات واضحة بشأن الانسحاب الإسرائيلي من الجولان سيكون بلا قيمة"، مذكّرا بموقف أبناء الجولان من العرب السوريين الذين "لا يزالون يرفضون الاحتلال ويتمسكون بهويتهم السورية".

اتفاق أمني أم تطبيع سياسي؟

تُفضل دمشق الحديث عن "اتفاق أمني" يشمل قواعد اشتباك جديدة، وقف القصف، وتفعيل آليات مراقبة دولية، بدلا من القفز مباشرة نحو اتفاق سلام شامل.

وتقترح دمشق، بحسب شريفة، العودة إلى اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، وتفعيل دور قوات حفظ السلام، وبدء خطوات تدريجية مثل وقف الغارات الإسرائيلية، ضبط الحدود، ومنع التوغلات، تمهيدا لبناء الثقة.

من جهته، يرى موشيه إلعاد أن إسرائيل منفتحة على ترتيبات أمنية جديدة، لكنها ترفض ربطها بانسحابات أو تطبيع شامل، ويقول:
"نتحدث عن اتفاق عدم اعتداء، يشبه إلى حد ما اتفاقيات إبراهيم، مع اختلاف البنود. منها تنسيق أمني ضد حزب الله وإيران، وترتيبات حدودية، وربما تصدير الغاز والمياه لسوريا عبر نموذج شبيه باتفاق الأردن".

مناورات إسرائيلية أم انفتاح حقيقي؟

يقرأ شريفة الطرح الإسرائيلي باعتباره محاولة للالتفاف على المبادرة الأميركية، ويرى أن حكومة تل أبيب الحالية "غير جاهزة للسلام"، مضيفا: "هي حكومة متطرفة، متورطة في دماء الفلسطينيين، وتُصرّ على التعامل مع سوريا كدولة فاشلة لتبرير التدخل والتوسع".

ومع ذلك، لا يُغلق الباب تماما، إذ يقول شريفة إن دمشق مستعدة لمناقشة ترتيبات مرحلية، بشرط وجود ضامن دولي موثوق، وقد تكون الولايات المتحدة "الخيار الأنسب لهذا الدور"، لما لها من علاقات مع الطرفين.

الطرح الأميركي... ترتيب أمني مؤقت بدلا من اتفاق نهائي

واشنطن تحاول لعب دور "الوسيط النشط"، لكنها تُدرك تعقيد ملف الجولان، ولهذا، بحسب دبلوماسيين أميركيين، فإن هدف المرحلة الأولى يتمثل في تثبيت الهدوء على الحدود، ومنع الاشتباكات، وتفعيل التنسيق عبر قنوات خلفية.

وقد صرح مسؤول أميركي أن بلاده لا ترغب في التدخل بملف السيادة على الجولان، وأنها تترك هذه القضية للطرفين، مع التركيز حاليا على "ترتيبات لوقف إطلاق النار، وحظر الاعتداءات المتبادلة، ومنع أي تصعيد مفاجئ".

ووفق شريفة فإن الحل الواقعي قد يكون في تجزئة الملفات، بدلا من فرض "سلة شاملة واحدة".

ويوضح شريفة قائلا: "يمكننا البدء بتفاهمات أمنية، وتأجيل القضايا الخلافية الكبرى كالجولان إلى مرحلة لاحقة. هذا ما فعلته كثير من الدول في مفاوضات السلام المعقدة".

ويتابع قائلا إن الحكومة السورية "لم تُسجّل أي خرق لاتفاقياتها الأمنية، بل إنها سعت لضبط الجنوب رغم كل التحديات. ومن هنا، يمكن بناء خطوات لاحقة إذا أثبتت إسرائيل التزامها".

إسرائيل: السلام مع سوريا خارج السياق؟

رغم كل المناقشات، لا تزال بعض النخب السياسية والعسكرية في إسرائيل ترى أن سوريا لا تمثل "دولة" بالمعنى الكامل، وبالتالي فإن أي اتفاق معها "ليس ذا جدوى حقيقية"، كما يقول إلعاد.

ويعتقد إلعاد أن "الوضع في سوريا لا يزال هشًا"، مشيرا إلى وجود ميليشيات، جماعات متطرفة، وفصائل غير منضبطة، وهو ما يُعقّد التفاوض.

ويلفت إلى أنه: "قبل الحديث عن اتفاق، يجب أن تُثبت سوريا أنها دولة مركزية قادرة على تنفيذ ما تتعهد به".

بين الانفتاح الأميركي والتعنت الإسرائيلي... يبقى السلام مؤجلًا

تشير الوقائع إلى أن أي تقارب بين سوريا وإسرائيل لا يزال بعيدا، في ظل المواقف المتضاربة حول الجولان، وانعدام الثقة، ورفض إسرائيل تقديم أي تنازلات.

لكن قرار رفع العقوبات الأميركية يفتح نافذة، وإن كانت ضيقة، نحو تفاهمات أمنية مؤقتة يمكن البناء عليها لاحقا.

وتبقى الكرة في ملعب الأطراف الثلاثة: هل يمكن للولايات المتحدة أن تضغط بما يكفي لإنجاح الاتفاق؟ هل تتخلى إسرائيل عن منطق التفوق الأمني مقابل الاستقرار؟ وهل تواصل دمشق تمسكها بالثوابت دون عزل نفسها عن التحولات؟.

الأسابيع القادمة قد تحمل مؤشرات أكثر وضوحا، لكن إلى حينها، تبدو المفاوضات كما وصفها أحد المراقبين: سيرٌ على الحبل المشدود بين الجغرافيا والسيادة والتاريخ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق