اللجان الرياضية.. التحدي القادم - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في مقال سابق، قمت بنشر مقال بعنوان «الدوري يتطور، فهل تتطور اللجان؟»، وكان ذلك المقال محاولة لتسليط الضوء على الفجوة المتنامية بين سرعة المشروع التنموي الرياضي الكبير الذي تشهده المملكة، وبطء آليات فض النزاعات والانضباط داخل المنظومة الرياضية.

واستمراراً لذلك الطرح، يأتي هذا المقال ليضع تصوراً متزناً وواقعياً لسبل تطوير عمل اللجان الرياضية، ليس من باب التنظير، بل انطلاقاً من الحاجة العملية الملحّة لتحديث أدوات الانضباط والتقاضي بما يتوافق مع تطلعات الدولة ومكانتها المتقدمة في المشهد الرياضي الدولي.

إن الإشكال الجوهري لا يكمن في غياب النصوص، بل في تفاوت تفسيرها وتضارب مخرجاتها، وغياب التناسق القضائي في تطبيقها. وهذه الفجوة لا تُضعف فقط العدالة الرياضية، بل قد تُلقي بظلالها على ثقة الجمهور، وتُضعف صورة الاحتراف المؤسسي الذي تسعى إليه المملكة.

اللجان القضائية الرياضية لا تزال في مراحل تأسيسية من حيث المنهج الإجرائي، حيث يغلب عليها الاجتهاد الفردي بدلًا من اعتماد سوابق قانونية تُرسي المبادئ، وتُوحد التفسير، وتُقلّص التباين في القرارات بين لجان الانضباط والاستئناف ومركز التحكيم الرياضي.

ويُلاحظ، مع التقدير لخبرات الكثير من الأعضاء القانونية، أن بعض اللجان تضم كوادر قانونية قد تكون ذات خلفية أكاديمية أو استشارية، إلا أن العمل في هذا النوع من اللجان يتطلب مهارات نوعية إضافية تتعلق بالصياغة القضائية، وتسبيب الأحكام، واستحضار الفقه النظامي والشرعي في السياقات المحلية. وهي عناصر لا يمكن افتراض توافرها بمجرد حمل شهادة قانونية، بل تتطلب تدريباً تخصصياً مستمراً.

ورغم أن اللجان الرياضية تُدار إدارياً ضمن منظومة اللجنة الأولمبية، إلا أن طبيعة قراراتها وتأثيرها تمس حقوق الأندية واللاعبين والرعاة والجمهور، ما يجعلها جزءاً من المنظومة العدلية الأوسع، ويتطلب ضوابط ومعايير لا تقل دقة عن تلك المعتمدة في المحاكم واللجان القضائية المتخصصة في بقية القطاعات.

وفي عدة دول سبقتنا في تطوير منظومة العدالة الرياضية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، تم إنشاء هيئات استئناف رياضية مستقلة يُشرف عليها قضاة محترفون بالتنسيق مع الجهات الرياضية، ما خلق توازناً بين خصوصية القطاع الرياضي ومتطلبات العدالة القضائية.

ولتجاوز هذا الواقع، نقترح أربعة مسارات تطويرية قابلة للتنفيذ وتنسجم مع الطابع المؤسسي الذي تسعى له المملكة في مشروعها الرياضي:

1 ــ هيئة مرجعية للتفسير القضائي الرياضي:

إنشاء هيئة متخصصة ضمن اللجنة الأولمبية، تُصدر مبادئ تفسير موحدة وملزمة تُعتمد من جميع اللجان القضائية الرياضية، وتُحقق اتساقاً قانونياً في الأحكام.

2 ــ نشر الأحكام وأسبابها القانونية:

إلزام اللجان بصياغة أحكامها بشكل مسبب وواضح، ونشرها ضمن منصة إلكترونية موحدة، مما يرفع مستوى الشفافية، ويعزز جودة الحُكم.

3 ــ التدريب القضائي المتخصص:

إعداد برامج تأهيل قانوني مستمر لأعضاء اللجان، بالتعاون مع معاهد القضاء ومعاهد الإدارة، لضمان فهمهم المتكامل للنصوص الرياضية والقواعد الإجرائية.

4 ــ إدارة تعارض المصالح:

وضع لوائح تنظيمية واضحة تمنع تضارب المصالح في عضوية اللجان، بما يضمن نزاهة القرار، ويُعزز استقلالية الجهات القضائية الرياضية.

إن تحديث بنية اللجان الرياضية لم يعد ترفاً تنظيمياً، بل ضرورة تتجاوز مجرد تحسين الأداء، فهي جزء من حماية سمعة المملكة، وترسيخ صورتها كدولة تُعلي من شأن العدالة، وتواكب مكانتها العالمية في القطاع الرياضي.

وإذا كانت المملكة قد استثمرت في تطوير البنية التحتية والمنافسة الرياضية على أعلى مستوى، فإن استكمال هذه المنظومة لا يكون إلا بتطوير أدوات الانضباط وصياغة القرارات بما يعكس هذا الطموح، ويواكبه بمنهج مؤسسي متين، قادر على مواكبة التحول، والوفاء بمتطلبات المرحلة القادمة.

إن هذه المقترحات لا تدّعي الكمال، لكنها تمثل محاولة لتقديم رؤية تنظيمية قابلة للنقاش والتطوير، في سبيل بناء منظومة عدلية رياضية تعكس طموحات الدولة وقيم العدالة التي أرستها رؤيتها التنموية.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق