غزة بين الصفقة والحرب.. ونتنياهو يمهّد لقرار مصيري من واشنطن - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تدخل غزة مرحلة فارقة من عمر الحرب المستمرة منذ أشهر. إسرائيل تعرض خارطة للحرب والسلام، بينما تسعى واشنطن لرسم معالم "صفقة كبرى" لإنهاء الأزمة، في حين تطرح القاهرة مبادرة هدنة مدتها 60 يومًا قد تشكل الجسر نحو اتفاق دائم.

 وسط هذا الحراك، يزور المبعوث الإسرائيلي رون ديرمر واشنطن لتنسيق زيارة نتنياهو المرتقبة، بينما تبقى القيادة السياسية في تل أبيب عاجزة عن حسم قرار الميدان، في وقت تضغط فيه الإدارة الأميركية لتخفيف المأساة الإنسانية ومنع انفجار سياسي محتمل داخل إسرائيل نفسها.

الخياران الإسرائيليان: احتلال غزة أو صفقة

تواجه إسرائيل لحظة مفصلية في استراتيجيتها العسكرية في غزة. وفقًا لتقرير القناة 14 العبرية، عرض الجيش الإسرائيلي خيارين رئيسيين على القيادة السياسية: الأول يتمثل في مواصلة التوغل نحو احتلال القطاع بالكامل، والثاني يتجه نحو التوصل إلى صفقة تبادل تتضمن وقف إطلاق النار والإفراج عن رهائن. غير أن الخيار العسكري، رغم أنه يُرضي تطلعات بعض الأجنحة اليمينية في الحكومة، يحمل في طياته تكلفة باهظة – سواء من حيث الأرواح أو الاقتصاد أو احتمالات الفشل في استعادة الرهائن.

الجيش الإسرائيلي، الذي يسيطر حاليًا على نحو 60% من أراضي قطاع غزة، أعلن أنه قادر على استكمال العملية والسيطرة على 80% من القطاع خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، لكنه في ذات الوقت نقل المسؤولية عن اتخاذ القرار إلى المستوى السياسي، وهو ما يعكس التردد والانقسام داخل حكومة نتنياهو.

واشنطن: صفقة تتقدم ببطء وضغوط محدودة

بينما يتوجه رون ديرمر مبعوث نتنياهو الخاص إلى واشنطن، يبدو أن البيت الأبيض، بقيادة دونالد ترامب، مصمم على دفع عجلة التهدئة في غزة. وبحسب "جيروزاليم بوست"، فإن 75% من النقاط الخلافية في المفاوضات تم حلها، لكن بقيت قضايا مصيرية مثل إنهاء الحرب، نزع سلاح حماس، وآلية إيصال المساعدات.

ومع ذلك، يحذر محلل الشؤون الأميركية موفق حرب خلال حديثه الى برنامج الظهيرة، من المبالغة في تقييم الضغط الأميركي، مشيرًا إلى أن "الضغط من دون عقوبات ليس ضغطًا حقيقيًا".

ويضيف أن ترامب يريد تخفيف المعاناة الإنسانية لتجنب الإحراج الأخلاقي أمام الرأي العام الأميركي والعالمي، لكنه لا يميل إلى ممارسة ضغط جدي على نتنياهو قد يهدد بقاء الحكومة الإسرائيلية.

ترامب ونتنياهو: مقايضات سياسية خلف الكواليس

علاقة نتنياهو بترامب تتجاوز حدود الملفات الرسمية. يشير نضال كناعنة، محرر الشؤون الإسرائيلية في "سكاي نيوز عربية"، إلى أن نتنياهو يسعى لاستخدام ملف غزة كورقة تفاوضية مع ترامب في مقابل مكاسب شخصية تتعلق بمحاكمته الجارية.

ويضيف: "نتنياهو مستعد لابتلاع الحبة المُرّة المسماة بوقف الحرب في غزة، لكنه يريد تغليفها بالحلوى كإغلاق ملف المحاكمة أو تمرير اتفاق مع سوريا يعزز موقعه السياسي".

البيت الأبيض بدوره يعي هذا الواقع، ويسعى لإيجاد مخرج سياسي يحفظ ماء وجه إسرائيل، دون إضعاف الزخم الدبلوماسي الذي يطمح ترامب إلى ترجمته في صورة "اتفاق سلام إقليمي" يُتوّج بعرض احتفالي في ساحة البيت الأبيض، وليس بصور أطفال جوعى في غزة.

المبادرة المصرية: هدنة مؤقتة ومؤتمر إعمار مرتقب

في ظل غياب قرار إسرائيلي حاسم وضبابية المسار الأميركي، تبرز المبادرة المصرية كخطوة عملية قابلة للتطبيق. وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي كشف عن مقترح لوقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا يشمل تبادلًا مرحليًا للأسرى والرهائن، ويفتح الباب أمام إيصال مساعدات عاجلة وإطلاق مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة خلال أسابيع في القاهرة.

المبادرة المصرية تتقاطع مع رغبة الدوحة وواشنطن في استئناف المفاوضات عبر جولة محتملة في الدوحة خلال أيام. ووفقًا لمراسل "سكاي نيوز" أحمد مهران، فإن القاهرة أنهت استعداداتها بالتعاون مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية لعقد مؤتمر يركّز على "حوكمة غزة"، وسط دعم مشروط من مصر لقوة أمنية دولية في القطاع، بشرط ربطها بأفق سياسي واقعي نحو الدولة الفلسطينية.

موقف الجيش الإسرائيلي: لا أهداف عسكرية... ولا قرار سياسي

من داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تتصاعد الأصوات المحذّرة من استمرار حالة "المراوحة" في الميدان. رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير الذي يوصف بأنه متحمس للمواجهة بات يقول إن لا أهداف عسكرية متبقية يمكن تحقيقها.

ويحمّل المستوى السياسي مسؤولية الاستمرار أو التراجع، داعيًا إلى قرار حاسم: "إما أن نحتل غزة بالكامل أو ننسحب باتفاق".

الجيش الإسرائيلي لا يريد تحمل تبعات احتلال القطاع، خصوصًا إذا أصبح مسؤولًا عن الأمن، الإدارة، والإعمار. وهو بذلك يدفع نحو حل تفاوضي يُجنّب المؤسسة العسكرية مستنقعًا طويل الأمد يهدد بتآكل الإنجاز السياسي الذي تحقق في الملف الإيراني.

حماس واليوم التالي.. من يحكم غزة؟

وسط هذه المتغيرات، تظل معضلة "اليوم التالي" أحد أكثر القضايا تعقيدًا. من سيحكم غزة إذا توقفت الحرب؟ هل تعود السلطة الفلسطينية؟ هل تُفرض إدارة دولية بمشاركة عربية؟ هل يتم نزع سلاح حماس؟ هذه التساؤلات لا تزال عالقة، فيما يبقى مصير غزة مرهونًا بالتفاهم بين واشنطن وتل أبيب، وبين الرغبة الإسرائيلية في تجنب "هزيمة سياسية" والإصرار الدولي على إنهاء الكارثة الإنسانية.

كما تبقى الضمانات الأمنية حجر الزاوية في أي اتفاق. حماس تصر على وقف دائم لإطلاق النار مع ضمانات دولية، في حين تصر إسرائيل على ترتيبات تحول دون إعادة بناء قدرات الحركة العسكرية. وتبدو المفاوضات في هذا الجانب هي الأكثر تعقيدًا.

الرهائن وتغيير المعادلة

يرى نضال كناعنة أن نتنياهو بدأ يتعاطى بمرونة نسبية مع فكرة وقف الحرب، مدفوعًا بمتغيرين: الإنجاز في ضرب المنشآت الإيرانية من جهة، وتزايد الضغوط في ملف الرهائن من جهة أخرى. تحرير الرهائن بات أولوية تتقدم على فكرة "هزيمة حماس"، ليس فقط بسبب الضغط الشعبي، بل خشية فقدان المكاسب السياسية نتيجة خسائر متواصلة في غزة.

ويضيف: "نتنياهو يعرف من تجربته السياسية أن خسارة صغيرة قد تُطيح بإنجاز كبير. كما حصل في 1996 عندما خسر بيريز رغم تفوقه، بسبب عمليات حماس. هذا السيناريو يخشاه نتنياهو اليوم".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق