تشير النسخة الرابعة من تقرير «أغنى مدن العالم لعام 2025» الصادر عن شركة «هينلي آند بارتنرز»، المتخصصة في خدمات الهجرة الاستثمارية، بالتعاون مع شركة «نيو وورلد ويلث» لتحليل البيانات، إلى استمرار الهيمنة الأمريكية على خريطة الثراء العالمي، مع وجود 11 مدينة أمريكية ضمن قائمة الخمسين مدينة الأغنى في العالم من حيث عدد السكان الأثرياء.
في صدارة هذه القائمة، تأتي مدينة نيويورك، التي تُعد المدينة الأولى عالمياً من حيث عدد الأفراد ذوي الثروات العالية، حيث يقيم بها 384,500 مليونير، من بينهم 818 من أصحاب الثروات التي تتجاوز 100 مليون دولار (ويُطلق عليهم اسم «السينتي مليونيرات»)، و66 مليارديراً. وتؤكد هذه الأرقام استمرار المكانة المالية والاقتصادية لنيويورك كأحد أعمدة الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
سان فرانسيسكو
في المركز الثاني، تأتي منطقة الخليج الكبرى (Bay Area)، التي تضم مدينة سان فرانسيسكو ووادي السيليكون، والتي أصبحت تحتضن 342,400 مليونير، منهم 82 مليارديراً، أي أكثر من نيويورك نفسها، ما يعكس القوة التكنولوجية للمنطقة وقدرتها على إنتاج الثروات. ومن اللافت أن عدد المليونيرات في هذه المنطقة قد تضاعف تقريباً بنسبة نمو بلغت 98% خلال العقد الماضي، ما يجعلها واحدة من أسرع المدن نمواً في الثراء عالمياً.
المدن الأسرع نمواً في عدد المليونيرات
من بين المدن التي شهدت نمواً أسرع خلال العقد الماضي (2014 - 2024)، تبرز شينجن الصينية بنسبة نمو قدرها 142%، وهانغتشو بنسبة 108%، إلى جانب دبي التي حققت نمواً بنسبة 102%.
وأصبحت دبي تحتضن اليوم 81,200 مليونير، من بينهم 237 من «السينتي - مليونيرات» و20 مليارديراً، لتنتقل من المرتبة 21 إلى المرتبة 18 عالمياً في غضون عام واحد فقط، محققة بذلك أكبر قفزة بين مدن القائمة.
طوكيو وسنغافورة ولوس أنجلوس
في المركز الثالث، تأتي طوكيو مع 292,300 مليونير، مستفيدة من الانتعاش القوي لمؤشر نيكاي خلال العامين الماضيين. تليها سنغافورة في المركز الرابع ب 242,400 مليونير، ما يؤكد مكانتها كمركز مالي عالمي بارز في آسيا.
أما لوس أنجلوس، التي تضم 220,600 مليونير، فقد تجاوزت لندن لتحتل المرتبة الخامسة، بينما تراجعت العاصمة البريطانية إلى المركز السادس مع 215,700 مليونير. وتُعد لندن وموسكو المدينتين الوحيدتين في القائمة اللتين شهدتا تراجعاً في عدد الأثرياء خلال العقد الأخير، بنسبة -12% و-25% على التوالي، ما يعكس تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة.
باريس وهونغ كونغ وسيدني
في المركز السابع جاءت باريس ب 160,100 مليونير، تليها هونغ كونغ ب 154,900، والتي تجاوزت سيدني لتأخذ المركز الثامن، بينما تراجعت سيدني إلى المركز التاسع ب 152,900 مليونير. أما المركز العاشر فكان من نصيب شيكاغو، التي قفزت في الترتيب لتدخل لأول مرة ضمن العشر الأوائل بعد أن تجاوزت كلاً من بكين وشنغهاي.
مدن تتقدم وأخرى تتراجع
من بين المدن التي شهدت تحسناً ملحوظاً في الترتيب نجد ميلانو في المركز 11 ب 115,000 مليونير، وفانكوفر (المركز 29)، وميامي (32)، وتايبيه (38)، وواشنطن العاصمة (41)، التي شهدت جميعها ارتفاعاً في أعداد الأثرياء. أما مدينة لشبونة فقد دخلت قائمة الخمسين لأول مرة في المركز الخمسين ب 22,200 مليونير، في حين خرجت مدينة أوكلاند من القائمة.
الهجرة الاستثمارية وجاذبية المدن
يرى الدكتور يورغ شتيفن، الرئيس التنفيذي لشركة «هينلي آند بارتنرز»، أن المدن التي توفر بيئة قانونية مستقرة وبنية مالية متقدمة، إلى جانب برامج إقامة عن طريق الاستثمار، هي التي تنجح في استقطاب رؤوس الأموال والمواهب العالمية. وفعلياً، فإن 7 من أصل 10 مدن في صدارة القائمة تقع في دول توفر برامج الإقامة للمستثمرين، ما يعزز من قدرتها على جذب الثروات العالمية المتنقلة.
مراكز الثروات الأسرع
من المتوقع أن تتضاعف أعداد السينتي - مليونيرات في عدد من المدن خلال الفترة من 2025 إلى 2035. وتشمل هذه المدن كلاً من دبي (237 سينتي) وأبوظبي (75 سينتي)، حيث يعزز الإعفاء الضريبي (ضريبة دخل وصفريّة على الأرباح) من جاذبية الإمارات للأثرياء. كما يتوقع التقرير نمواً هائلاً في مدن هندية مثل دلهي (125 سينتي) وبنغالورو (43 سينتي)، مدفوعة بازدهار القطاع التكنولوجي الهندي، بالإضافة إلى مدن أوروبية مثل وارسو (32 سينتي) وأثينا (42 سينتي)، مدعومة بموجات من الهجرة الاستثمارية.
دبي: صعود مستمر
سجلت دبي حضوراً قوياً في التقرير، حيث تقدمت ثلاثة مراكز في الترتيب العالمي خلال عام واحد، من المرتبة 21 إلى المرتبة 18، وهي القفزة الأكبر بين جميع المدن. وتضم المدينة اليوم 81,200 مليونير، و237 سينتي - مليونير، و20 مليارديراً، ما يعكس تحولها السريع إلى مركز مالي عالمي.
ويعزو التقرير هذا النمو الكبير إلى عوامل مثل: البنية التحتية المتقدمة والمرافق عالية الجودة والانفتاح على المستثمرين العالميين، وبرامج الإقامة الذهبية، وغياب الضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية.
كما يتوقع التقرير أن يتضاعف عدد السينتي - مليونيرات في دبي خلال العقد المقبل، وهو مؤشر على الثقة العالية من قبل أثرياء العالم في الإمارة كموقع طويل الأمد لحماية الثروات وتنميتها.
مدن صغيرة على الخريطةيشير التقرير إلى مدن صغيرة توفر برامج إقامة وجنسية مقابل الاستثمار كجزء من استراتيجيتها لاستقطاب الثروات، مثل سانت جوليان وسليما في مالطا (40 سينتي)، لوجانو في سويسرا (40 سينتي)، وريغا ويورمالا في لاتفيا (11 سينتي)، والتي من المتوقع أن تشهد جميعها نمواً يتجاوز 100% في عدد السينتي مليونيرات خلال العقد المقبل.
إفريقيا وأمريكا الوسطى
رغم عدم وجود أي مدينة إفريقية أو من أمريكا الوسطى ضمن قائمة ال 50 مدينة الأغنى، فإن التقرير يتوقع نمواً مذهلاً في عدد الأثرياء في مدن مثل جورج تاون وسيفن مايل بيتش في جزر كايمان (40 سينتي)، وسان خوسيه وسانتا آنا في كوستاريكا (17)، وهاملتون وسانت جورج في برمودا، ومونتيري في المكسيك، وبنما سيتي، وكاب تاون في جنوب إفريقيا، ومراكش المغربية، ونيروبي في كينيا.
أغلى مدن العالم عقاريا
في ما يتعلق بأغلى المدن من حيث تكلفة العقارات، تتصدر موناكو القائمة، حيث يزيد متوسط الثروة الفردية على 20 مليون دولار، ويبلغ سعر المتر المربع في الشقق الفاخرة ما يزيد على 38,800 دولار، وهي النسبة الأعلى عالمياً. وتضم ما يزيد على 40% من السكان من فئة المليونيرات.
وتأتي نيويورك في المرتبة الثانية بأسعار تصل إلى 27,500 دولار للمتر المربع، تليها هونغ كونغ (26,300 دولار)، ولندن (24,000 دولار). أما سان-جان-كاب-فيرا الفرنسية فتحتل المرتبة الخامسة، تليها باريس التي تجاوزت سيدني لتأخذ المركز السادس.
ومن المثير للاهتمام أن فرنسا تمتلك أكبر عدد من المدن في قائمة أغلى المدن من حيث العقارات (6 مدن)، تليها الولايات المتحدة ب 4 مدن، ثم سويسرا وإيطاليا بمدينتين لكل منهما.
اللاعب الخفي في تحولات الثروة
يمثل «السينتي - مليونيرات» (أي من يمتلكون ثروات سائلة قابلة للاستثمار تزيد على 100 مليون دولار) طبقة مؤثرة للغاية في الاقتصاد العالمي. ويشير التقرير إلى أن العديد من هؤلاء الأثرياء باتوا يخططون لمواقع إقامتهم كما يخططون لمحافظهم الاستثمارية، موزعين وجودهم عبر دول متعددة لتقليل المخاطر وتعظيم العوائد.ويؤكد «دومينيك فوليك»، رئيس قسم العملاء الخاصين في «هينلي آند بارتنرز»، أن مدناً مثل دبي وأبوظبي أصبحت وجهات مفضلة لهؤلاء نظراً لمرونتها في منح الإقامة وخططها الطموحة في التحول لمراكز مالية.تقدم النسخة الجديدة من تقرير «أغنى مدن العالم» لعام 2025 صورة دقيقة وديناميكية عن تحولات الثروة عالمياً، مع التأكيد أن مراكز الثراء لم تعد حكراً على المدن التقليدية، بل تتوسع نحو مدن ناشئة تقدم بيئات مواتية للأعمال والاستثمار والهجرة الاقتصادية. وتبدو دبي وأبوظبي في طليعة المدن الصاعدة في الشرق الأوسط، بينما تؤكد مناطق مثل وادي السيليكون وسنغافورة وشينجن مكانتها كمحاور للابتكار والتكنولوجيا التي تدفع نمو الثروات في العالم الجديد.
0 تعليق