هل بات بعض التسويق تسويفاً..؟!! - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أحمد العمار*

يُشار إلى التسويق بتلك العمليات والجهود، التي تستهدف ترويج وبيع المنتجات أو الخدمات أو الأفكار، فيما يراد بالتسويف، من هذه الزاوية تحديداً، ذاك التأخير أو التأجيل أو المماطلة بتسليم أو تحقيق وعد بيعي أو تعهد ما، قطعته المؤسسة على نفسها، تجاه عملائها وزبائنها والذي من الطبيعي أن يتحول النكوث إلى تضليل ووعود كاذبة.
ما مناسبة هذا الطرح، ولماذا الربط بين التسويق والتسويف وهل تتعمد بعض الجهات التي تمارس التسوق مباشرة أو عبر وكيل اللجوء للتسويف كسباً للوقت، فضلاً عن المال؟!
بداية، لا يستطيع متصفح وسائل التواصل الاجتماعي، كائناً مَن كان، إغماض عينيه عن ذاك الكم الهائل والسيل الجارف من المواد الإعلانية والترويجية، التي تلاحقه مع كل نقرة وتصفح وهي مع ما تحمله من أوهام كثيرة وحقائق قليلة، فإنها لا بد وأن تترك ندوبها على ذاكرته وأن تثير اهتمامه ورغباته، دفعاً للفضول والتجربة، التي قد تأتي بالصدمة.. شراء الوهم وتبخر الوعود و..
للموضوعية والأمانة، فإن الوعود المضللة والكاذبة، لدى الباعة، ليست مستحدَثة أو طارئة، بل قديمة قِدم التعاملات البشرية نفسها، فهذه الوعود في التسويق، هي تصريحات مضللة أو خادعة تصدر عن الشركات أو المسوقين، حول منتج أو خدمة أو فكرة ويمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة، مثل المبالغة في فوائد المنتج، أو الإيهام بأسعار ليست حقيقية، أو استخدام شهادات مزيفة.
ولعل من نافلة القول، أن هذه الممارسات تضر بسمعة العلامة التجارية وتؤدي إلى فقدان ثقة العملاء والزبائن بها وقد تجر عليها عواقب مادية واجتماعية وقانونية أيضاً، فضلاً عن الإضرار بمصالح المشتري وربما المجتمع بالعموم..
تتفاوت دواعي الوعود غير الصادقة تسويقياً، لكنها تتمحور حول أهداف رئيسة أبرزها، زيادة المبيعات وتعظيم الأرباح والاعتقاد بإمكانية تحقيق أهداف قصيرة الأمد ومن ثم الانتقال إلى أهداف أبعد وأوسع وغالباً ما يرتبط هذان الهدفان بضعف العلامة التجارية ورداءة المنتجات وعيوب إنتاجية وتصنيعية وأخرى تتعلق ببلد المنشأ.وتشير التقديرات عالمياً إلى تكبد الشركات، التي تمارس هذا النوع من التسويق، خسائر فادحة تتراوح بين تراجع المبيعات ونقص الإيرادات والإغلاق الكلي أو الجزئي (فروع ومنافذ بيع) للمؤسسة وبالتالي تسريح الموارد البشرية وتزايد معدلات التعطل عن العمل وفوضى القطاع الذي تتحرك فيه تلك المؤسسة، التي حتى وإن بقيت قائمة، إلا أنها لن تستطيع كسب قاعدة متعاملين، جراء تراجع معدلات الرضا عن أدائها، فوفقاً لإحدى الدراسات، تزيد معدلات الاحتفاظ بالعملاء 5%، عند نمو معدل رضا هؤلاء 1%.
من اللافت، أن التضليل التسويقي -إن جاز التعبير- ليس حصرياً بالشركات الصغيرة والمتوسطة، بل قد تلجأ إليه -مع الأسف- أخرى كبيرة ومعروفة ومن الأمثلة على ذلك، ما قامت به إحدى علامات السيارات الألمانية الكبيرة، عام 2015، عندما ثبتت برنامجاً في سياراتها التي تعمل بالديزل، للغش في اختبارات الانبعاثات وتسويق هذه السيارات على أنها صديقة للبيئة. كما واجهت إحدى شركات الطاقة المعروفة عالمياً دعوى قضائية، جراء الترويج لشعار (Slogan) منتجها، الذي يداعب رغبة المستهلك بالحصول على القوة والنشاط، حيث كان يشير إلى أن تناول المشروب يمنح المستهلك أجنحة للطيران، قبل أن تبرر الشركة موقفها، بأن عبارة الشعار كانت مجازية لا حَرفية..
ويبدو التسويق الذي يمارسه أفراد لا ينتمون لشركات كبيرة ومعروفة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خَطِراً ومنفلتاً من كل عقال، إذ لا مرجعية ولا موثوقية هنا، خذ مثلاً، منتجات التخسيس ومفعولها «السحري» لفقدان الوزن، دون الحاجة للرياضة أو تغيير نمط الحياة، كذلك منتجات التجميل التي تزيل التجاعيد وتعيد الصبا والشباب، تحت لافتة عريضة (وداعا للشيخوخة)، ثم الأكثر إضحاكاً ومرحاً، ذاك الإعلان الذي تتبناه شركة «المارد والقمقم والمصباح»، العاملة في إنتاج وتسويق الشعوذة -اسم الشركة وهمي على سبيل التندر لا أكثر- ولعل أطرف ما جاء في الإعلان (رد الحبيب خلال 24 ساعة مع الضمان) وهنا تدخل الشعوذة على خط الخدمات اللوجستية والتوصيل «ديلفري»؟!!
أما وقد دخلنا عصر الذكاء الاصطناعي، فإن الباب أمسى مفتوحاً على مصراعيه، لجهة استخدام تقنيات التزييف العميق، لإنتاج مقاطع مرئية ومسموعة تحاكي (افتراضياً) أشخاصاً، يستخدمون منتجات وخدمات هذه الشركة أو تلك، ما يوقع المستهلكين في حيرة وذهول اتخاذ القرار الشرائي والذي سيكتشفون لاحقاً بأنه قرار مضلل وغير رشيد..
وليس بعيدة عن ذلك، عمليات التصيد الاحتيالي، وتهديدات الأمن السيبراني، وخداع رسائل البريد الإلكتروني والحملات المضللة بدوافع خلق قرار شرائي، أو ربما التلاعب بالرأي العام، للتأثير عليه سلوكياً وشرائياً.
حقيقة، رفيع وواهٍ جداً، ذلك الخيط الفاصل بين الإقناع والخداع.. بين الحقيقة والتزييف.. بين تقديم المنافع وحصاد العوائد، ويفاقم المشكلة خداع رقمي، تخطى الواقع وقفز فوق الجغرافيا، عابراً للزمان والمكان..!
* إعلامي اقتصادي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق